Header Ads

التغير الاجتماعي : مفهومه وعوامله و النظريات المفسرة له ( موضوع شامل ) _ علم الاجتماع s4/s6



التغير الاجتماعي : مفهومه  وعوامله و النظريات المفسرة له






الفصل الأول: نظريات التغير الاجتماعي
صعوبة د ارسة التغير الاجتماعي:
تأتي صعوبة د ا رسة التغير الاجتماعي من أن المجتمعات الإنسانية لا تسير على وتيرة واحدة في
تغيرها، ولا بطريقة متشابهة مع بعضها، فلكل مجتمع ظروفه الخاصة التي تميزه عن غيره من المجتمعات
الأخرى، تلك الظروف المتعلقة بنظامه الاجتماعي والثقافي بوجه عام.
وتأتي صعوبة د ا رسة التغير الاجتماعي من جانبين هما:
1 طبيعة الظاهرة الاجتماعية المدروسة.
2 موقف الباحث من الظاهرة المتغيرة.
وتأتي صعوبة د ا رسة الظاهرة الاجتماعية للأسباب التالية:
1 طبيعة تعقد الظاهرة الاجتماعية، نظ ا ر لتأثيرها وتأثرها بظواهر طبيعية واجتماعية على حد تعبير
ابن خلدون ودور كايم، فد ا رسة ظاهرة التعاون أو الص ا رع في المجتمع تستدعي د ا رسة ظواهر اقتصادية
وسياسية وغيرها، فضلا عن كون الظاهرة الاجتماعية مت ا ربطة مع غيرها بالأمر الذي يؤدي إلى صعوبة
فصلها ود ا رستها بشكل منعزل عن الظواهر الأخرى.
2 صعوبة إخضاع الظاهرة إلى القياس الدقيق، لأنها متعلقة بمجتمع بشري متغير متباين العواطف
والميول، والدوافع والاستجابة للمؤث ا رت الخارجية.
3 بناء على الصعوبة السابقة، يترتب عليها صعوبة إعادة إج ا رء التجربة مرة أخرى، لأن الظاهرة
تكون قد تغيرت، فالتغير صفة أساسية من صفات الظاهرة الاجتماعية، رغم أن التجريب أمر مهم من
أجل صياغة القوانين والنظريات، والتأكد من صحة النتائج.
4 صعوبة حصر الفروض التي تعلل تغير الظاهرة الاجتماعية، فضلا عن صعوبة الفصل بينهما،
أو تصنيفها، أيهما أساسي وأيهما ثانوي وما إلى ذلك.
أما الصعوبة الثانية في د ا رسة التغير الاجتماعي فتأتي عن طريق موقف الباحث من الظاهرة
المتغيرة، وذلك للأسباب التالية:
1 موقع الباحث من الظاهرة المدروسة، فالنظ رة إليها تختلف من شخص لآخر، وذلك حسب موقع
الشخص الملاحظ، لأن هذا الذي يلاحظ المجتمع شبيه بالملاحظ للعالم الطبيعي، حيث يقف دائما في
وضع نسبي من حيث الزمان والمكان، فالذي ي ا ره هو جزء صغير من عالم واسع، فتكون الملاحظة
محدودة، وقد تكون الظاهرة المختارة من عالم المجتمع لا تمثله تمثيلا صادقا، بالإضافة إلى التصو ا رت
-3-
المسبقة التي يصعب التحرر منها، مع ملاحظة أن هذه التصو ا رت قد تكون مستمدة من واقع مجتمعات
مختلفة تماما عن المجتمع المدروس.
2 أيديولوجية الباحث التي تجعله يعطي أحكاما تتماشى مع أفكاره، وهذه الأحكام غالبا ما تكون
مستمدة من أيديولوجيته التي تؤثر في سيكولوجيته ورغباته عموما، الأمر الذي يؤدي إلى اختلاف النظرة
الواقعية إلى الظاهرة المتغيرة 1 .
من هنا، تتطلب د ا رسة ظاهرة التغير أن يتزود الباحث بوسائل البحث العلمي، وأن يتجرد من
العاطفة، وأن يبتعد عن إعطاء الأحكام المسبقة، من أجل إد ا رك الظاهرة المتغيرة وتقديم نتائج صحيحة.
مفه وم التغير الاجتماعي:
يعتبر التغير الاجتماعي من أهم موضوعات علم الاجتماع الحديث، الذي يقترن بالتغي ا رت
والتحولات البنيوية التي تحدث في جميع المجتمعات. فالتغير هو سنة الحياة وهو قانون طبيعي واجتماعي
يتحكم في جميع أوجه وعناصر الحياة المادية والمعنوية حسب الزمان والمكان، بالرغم من أن العناصر
المادية لأي حضارة هي أسرع في درجة التغير من العناصر المعنوية، وكذلك على المستوى الشخصي
والثقافي والاجتماعي، حيث لا يوجد شيء ثابت ومستقر، فكل مجتمع يتغير ويتبدل من شكل إلى آخر،
حتى المجتمعات التقليدية قد تغيرت وتطورت ولو نسبياً.
ويشمل التغير الاجتماعي، مجمل التغي ا رت والتحولات والتبادلات البنيوية التي تحدث في المجتمع
والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وذلك بسبب عوامل عديدة تت ا ركم حتى يصل
المجتمع إلى درجة من التجمع الحضري الذي يعمل على هدم ما هو قديم وبناء جديد مكانه عن طريق
نمو الإمكانات والطاقات والقد ا رت العلمية والتكنولوجية في داخله، لأن كل نظام اجتماعي يحمل في داخله
بذور تغيره.
ومن الصعب تعريف التغير الاجتماعي، لأن كل شيء في حياتنا عرضة للتغير المستمر وعلى
الدوام، فكل يوم في حياتنا هو يوم جديد، وكل لحظة تمثل حدثاً مستجداً في العمر، وعلى حد تعبير
الفيلسوف اليوناني  قليطس  فإن المرء لا يستحم في النهر مرتين، لأن النهر يتغير بجريان الماء فيه،
مثلما يتغير الشخص فور إحساسه أو ملامسته لماء النهر، ورغم دقة هذه الملاحظة وصدقها الواقعي فإننا
نميل في العادة إلى إسباغ طابع الثبات والديمومة، ولو لفت ا رت محددة على أنفسنا وعلى ما حولنا، ورغم
ما يحدث من وجوه التغير سواء كانت طفيفة أو كبيرة، فإننا نظل نعتقد أن للنهر شكلاً ثابتاً، وأن للإنسان
ولشخصيته ملامح تبقى على حالها دون تغيير 2 .
1 - محمد الدقس: التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق  دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن، 1991 ص 22 11
2 أنطوني جيدنز: علم الاجتماع  ترجمة فايز الصباغ، ط 1، مركز د ا رسات الوحدة العربية بيروت 2002 ص 102
-4-
ومن المهم الإشارة إلى أن مصطلح "التغير الاجتماعي" قد استخدم أول مرة وبصورة عرضية في
كتابات آدم سميث، وعلى الأخص في كتابه المشهور "ثروة الأمم" الذي نشر في القرن الثامن عشر، لكن
لم ينتشر هذا المصطلح ويصبح واسع التداول إلا بعد نشر عالم الاجتماع الأميركي "أوجبرن" كتابه التغير
الاجتماعي عام 1222 ، والذي كان يرى أن التغير هو ظاهرة عامة ومستمرة ومتنوعة ولا لزوم لربطها
بصفة معينة، ويعتبر مفهوم التغير الاجتماعي متحر ا رً من التقييم، ولا يرتبط بصفات موجبة أو سالبة 3 .
ولقد اتفق مع أوجبرن بعض الباحثين وعارضه آخرون، ولهذا تعددت التعاريف بتعدد وجهات نظر
العلماء، وتعقد الظاهرة نفسها، حتى عصرنا الحالي، ما ا زل مفهوم التغير الاجتماعي يشوبه الغموض،
حيث يرى "أنطوني سميث" أن د ا رسة ظاهرة التغير سواء كانت اجتماعية أو تاريخية ظاهرة واسعة وكبيرة،
وهذا ما يجعل نوع اً من الغموض يدور حول بعض التعريفات على الرغم من اختلافها أو اتفاقها.
ويعتبر مصطلح التغير الاجتماعي مصطلحا حديثا نسبيا بوصفه د ا رسة علمية، ولكنه قديم من
حيث الاهتمام به وملاحظته، ولقد تطور مفهوم التغير الاجتماعي ما ا ر باتجاهات وم ا رحل متعددة، تعددت
معها المفاهيم والمصطلحات المشابهة لهذا المفهوم، والمتداخلة فيما بينها إلى درجة كبيرة ولم يستخدم
مفهوم التغير بشكل محدد إلا بعد أن تطورت مناقشة نظريتي التقدم والتطور في علم الاجتماع المعاصر،
حيث اتجهت هذه المناقشة إلى اتجاهين رئيسين: الأول منهما انطوى على إحياء النظرية الدورية في
التاريخ على يد كل من "شبنجلر" في كتابه عن "تدهور الغرب" و"سوروكين" في كتابه "الديناميات
الاجتماعية والثقافية"، أما الثاني فقد اتجه إلى طرح اصطلاح التقدم الاجتماعي كلية واحلال اصطلاح
التغير الاجتماعي محله، ويمثل هذا الاتجاه "وليام أوجبرن".
يذهب كل من "جيرث ومليز" إلى أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يط أ ر على الأدوار
الاجتماعية التي يقوم بها الأف ا رد، وكل ما يط أ ر على النظم الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي في مدة
زمنية معينة. كما يتفق "جنزبرج" مع هذا الطرح، حيث يرى أن التغير الاجتماعي هو كل تغير يط أ ر على
البناء الاجتماعي في الكل والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي، ولذلك فإن الأف ا رد يمارسون أدوا ا رً
اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن 4 .
أما "روس" فبدا له أن التغير الاجتماعي، ما هو إلا التعديلات التي تحدث في المعاني والقيم التي
تنتشر في المجتمع أو بعض أنساقه الفرعية. ويعرفه "ديفز" على أنه مجموعة الاختلافات التي تحدث
داخل التنظيم الاجتماعي والتي تظهر على كل البناءات والنظم الاجتماعية.
3 أحمد ا زيد، التغير الاجتماعي . مكتبة الأنجلو المصرية، ط 2، القاهرة، 2001 ص 11
4 نفس المرجع، ص 19
-5-
ويرى "بوتوكور" أن التغير الاجتماعي هو تغير يحدث في البناء الاجتماعي متضمنا التغي ا رت في
حجم المجتمع أو في النظم الاجتماعية، أو العلاقات بين هذه النظم، والأنساق الثقافية في حين يذهب
"فرنسيس آلين" إلى أن التغير الاجتماعي يتضمن تغي ا رت في أسلوب الأداء الوظيفي لهذه الأنساق خلال
فترة زمنية معينة.
ويقول "لندبرج" إن ظاهرة التغير تحدث في كل محل وفي كل وقت، فالتغير عنده يمثل الاختلافات
التي تط أ ر على ظاهرة اجتماعية خلال فترة زمنية معينة والتي يمكن ملاحظتها وتقديرها وهي تحدث
بعوامل خارجية وداخلية مثل اكتشاف موارد الثروة أو الهجرة أو نشر التعليم 5 .
ويرى "جي روشيه" 6 أن التغير الاجتماعي هو ذلك التحول القابل للملاحظة الذي يحدث في كل
بناء اجتماعي أو نظم اجتماعية سواء كان استثنائيا أو مؤقتا، ويعمل على تغيير مسار تاريخها، فالتغير
الاجتماعي عند "روشيه" له أربع صفات:
)1( التغير الاجتماعي ظاهرة عامة ومنتشرة لدى فئات واسعة من المجتمع بحيث يغير مسار
حياتها.
)2( التغير الاجتماعي كل تحول يصيب البناء الاجتماعي.
)3( يكون التغير الاجتماعي محددا بفترة زمنية معينة
)4( يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستم ا ررية.
بينما يعني التغير الاجتماعي عند "لا ا زريف" 7 الانطلاق من مجتمع معطى بالنسبة إلى حالة
اجتماعية سابقة عليه قصد تحديد سياقات هذا التغير ومجالاته، وبالتالي، فقد لا يعدو أن يكون هذا
المعطي هو المجتمع التقليدي الذي ينتقل إلى المجتمع التنموي، إذ يصبح هذا المجتمع مرجعية لقياس
درجة ومستوى التغير الاجتماعي.
ويعرفه عادل الهواري، بأنه كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية من الناحية
المورفولوجية أو الفيزيولوجية خلال فترة زمنية محددة، ويتميز التغير الاجتماعي بصفة الت ا ربط والتداخل،
فالتغير في الظاهرة الاجتماعية سيؤدي إلى سلسلة من التغي ا رت النوعية التي تصيب الحياة بدرجات
مختلفة 8 .
5 عادل مختار الهواري، التغير الاجتماعي والتنمية في الوطن العربي . مكتبة الفلاح، الكويت، 1911 ، ص 44
6 Rocher, Guy, le changement Social Teone3, Coll. Print. N.15 Paris. 1970,p.17
7 1911 ، ص 1 ، عبدالجليل حليم، التنمية والتبعية مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، المغرب، عدد 1
8 عادل مختار الهواري، مرجع سابق ص 42
-6-
بناء على التعريفات السابقة التي شملت كل الجوانب التي يتضمنها التغير الاجتماعي من تغير
حاصل على مستوى كل الأنظمة الاجتماعية، اولأنساق الاجتماعية، أونماط السلوك، والعلاقات
الاجتماعية بين الأف ا رد، والقيم والأدوار الاجتماعية، نخلص إلى أن التغير الاجتماعي، في بحثنا هذا:
هو كل تغير يط أ ر على النظم والعلاقات الاجتماعية والقيم والمعايير والأخلاق والعادات التي يتكون
منها البناء الاجتماعي من تغير وتحول نتيجة مؤث ا رت وعوامل تكنولوجية واقتصادية وسياسية، والتي من
شأنها التأثير في الفعل والتفاعل الاجتماعي لدى طلاب الجامعة عينة الد ا رسة.
علاقة التغير الاجتماعي بالمفاهيم الأخرى:
إن علماء الاجتماع صنفوا مفهوم التغير الاجتماعي إلى عدة مفاهيم كلها مرتبطة ومتعلقة ومشتقة
منه، لأنه بهذا التصنيف يمكن أن نفهم أكثر مفهوم التغير الاجتماعي، لأنها مصطلحات مشابهة له، و ان
اختلفت في المضامين مثل التطور الاجتماعي، والتقدم الاجتماعي، والتغير الثقافي، والنمو والتنمية،
والتحديث.
ويرى "هوب هاوس" أن مهمة علم الاجتماع وعلمائه يجب أن تكرس من تحديد المفاهيم التي تربط
بين النمو والتطور والتقدم والتغير، وذلك عن طريق تطوير نظرياته واسهامه في زيادة المعرفة الإنسانية 9 .
1( التطور الاجتماعي: (
مفهوم التطور يعني النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة، تمر بم ا رحل
مختلفة ترتبط فيها كل مرحلة لاحقة بالمرحلة السابقة.
فالتطور يعني التحول أو التعديل في العلاقات الاجتماعية في اتجاه معين ويقت رن بالاط ا رد في
تخصص الأعضاء أو الوحدات داخل النسق الاجتماعي، والتطور يقوم على أساس العلاقة بين عامل
الزمن ونشأة الأشياء وتنوعها واختلافها، وهذا يعني أن الأكثر تطو ا رً لابد أن يظهر متأخ ا رً عن الأقل
تطو ا رً نتيجة التغي ا رت التي تط أ ر عليه 10 .
ويعرف التطور على أنه التحول المنظم من الأشكال البسيطة إلى الأشكال الأكثر تعقيداً، وهو
النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة تمر بم ا رحل مختلفة ترتبط كل مرحلة
بالمرحلة التي تسبقها، ويتضمن معنى مفهوم التطور أن التغي ا رت خارجة عن إ ا ردة الإنسان، بل قد يعتبر
تدخل الإنسان أو تنظيماته عاملاً معوقاً للمسيرة الطبيعية للأشياء 11 .
9 محمود عودة، التغير الاجتماعي وأساليب الاتصال . القاهرة، 2004 ، ص 22
10 عبدالباسط حسن، التغير الاجتماعي في المجتمع الاشت ا ركي . القاهرة الحديثة، 1914 ، ص 49
11 إب ا رهيم عثمان، مقدمة في علم الاجتماع دار الشروق، عمان، 1999 ، ص 222
-7-
2( التقدم الاجتماعي: (
وهو مفهوم ثانٍ جوهري مرتبط بالتغير وم ا رد ف له، وهو يشير إلى الصيرورة المباشرة ذات الاتجاه
الاجتماعي، وقد جاء ذلك واضحا في كتابات أوجيست كونت وكوندرب وتيرجو وغيرهم، والذي يعني:
حركة تسير نحو الأهداف الموضوعية التي تنتهي إلى نفع أي اتجاه ضد الركود والاستق ا رر بل التعامل
مع المجتمع من خلال العلوم الطبيعية، وهي حركتها الدائبة ذات الفائدة والمنفعة للمجتمع. إن فكرة التقدم
نقيض التوازن والاستق ا رر، حيث يشير إلى التغير المعبر عن التحولات التدريجية والبطيئة المستمرة لتصل
إلى المستقبل 12 .
يعني ذلك أن مفهوم التقدم يشير إلى حالة التغير التقدمي الذي يرتبط بتحسن دائم في ظروف
المجتمع المادية واللامادية، حيث يسير نحو هدف محدد، ويعني ذلك أن كل صورة من صور المجتمعات
أفضل بالضرورة من سابقتها.
3( التغير الثقافي: (
يميل علماء الاجتماع إلى التمييز بين التغير الاجتماعي والتغير الثقافي، فأولهما هو الذي يط أ ر
على العلاقات الاجتماعية، بينما الثاني يعتري القيم والمعتقدات والمثل والرموز الشائعة في المجتمع، غير
أن الواقع الفعلي يشير إلى صعوبة الفصل بين هذين النمطين من التغير.
ويوجد خلط بين هذين المفهومين ولا تميز بعض النظريات بينهما، وربما يرجع ذلك للارتباط الشديد
بين مفهومي الثقافة والمجتمع، إلا أن هناك فروق اً بينهما: فالتغير الاجتماعي يشير إلى التحول في أشكال
التفاعل الاجتماعي والاتصالات الشخصية، بينما التغير الثقافي يشير إلى التغير في أنساق وأفكار
متنوعة من المعتقدات والقيم والمعايير، كما أن التغير الاجتماعي يحدث في التنظيم الاجتماعي أي في
بناء المجتمع ووظائفه ويعتبر جزء اً من التغير الثقافي.
ويشمل التغير الثقافي جميع التغي ا رت التي تحدث في أي فرع للثقافة كالفن والعلوم والتكنولوجيا،
إضافة إلى التغي ا رت التي تحدث في أشكال التنظيم الاجتماعي وقواعده، وبذلك يكون التغير الاجتماعي
نتيجة من نتائج التغير الثقافي 13 .
12 معن خليل عمر، التغير الاجتماعي، دار الشروق، عمان، الأردن، 2004 ص 21
13 عادل مختار الهواري، سوسيولوجيا التخلف والتنمية . مطبوعات جامعة صنعاء، اليمن، 1911 ، ص 11
-8-
4( النمو والتنمية: (
إذا كان التطور هو التغيير الطبيعي للمجتمع، فإن عملية النمو تعني الزيادة الطبيعية في جانب
اجتماعي محدد، كالزيادة السكانية ولا يرتبط مفهوم النمو بحكم تقويمي، بل يعبر فقط عن الزيادة الطبيعية
في أحد الأوجه الاجتماعية، وقد أصبح هذا من المفاهيم المركزية في عملية التنشئة بما يرتبط بالنمو
الجسماني والعقلي والوجداني والأخلاقي للإنسان.
إن النمو هو عملية النضج التدريجي المستمر للكائن وزيادة حجمه الكلي أو أج ا زء في سلسلة من
الم ا رحل الطبيعية وهو تغير كمي، ومن الأمثلة على ذلك حجم السكان وكثافتهم والتغي ا رت في أعداد
المواليد والوفيات، ويختلف عن التنمية في كونه تلقائيا، بينما التنمية عملية إ ا ردية مخططة من الناحية
النظرية 14 .
ويشير مفهوم التنمية بمعناه العام إلى محاولة الإنسان تغيير الواقع وظروفه لتحقيق وضع مستقبلي
تم تصوره سلفا، فعملية التغير هنا قصدية أساسها الإ ا ردة الإنسانية وما يرتبط بهذه من وعي ود ا رية
وقد ا رت وتخطيط وأساليب مختارة وتنظيمات، فالتنمية عملية مد روسة منظمة يوجهها الإنسان ولو نسبيا
بما يحقق غاياته 15 .
أي أن التنمية تشير إلى الجهود المبذولة التي تبذل لإحداث سلسلة من التغي ا رت الوظيفية والهيكلية
اللازمة لنمو المجتمع.
وهناك تعريف الأمم المتحدة للتنمية يرى أنها: مجموعة الوسائل والطرق التي تستخدم بقصد توحيد
جهود الأهالي مع السلطات العامة من أجل تحسين مستوى الحياة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية في المجتمعات القومية والمحلية، واخ ا رج هذه المجتمعات من عزلتها لتشارك إيجابي اً في الحياة
القومية، كما تساهم في تقدم البلاد 16 .
ويتضح من هذا التعريف أن عملية التنمية، أيا كانت صورتها اجتماعية أو اقتصادية يجب أن
تعتمد على عنصرين أساسيين هما:
1 مساهمة الأهالي بأنشطتهم الجماعية والفردية في الجهود التي تبذل لتحسين مستوى معيشتهم
بصورة إيجابية.
2 تقديم الخدمات الفنية والمادية من الحكومة أو الهيئات الدولية أو الأهلية، لتشجيع وانجاح هذه
الجهود.
14 عادل شكارة، نظرية هوبهاوس في التنمية الاجتماعية دار الطليعة، بيروت، 1911 ، ص 11
15 عبدالباسط حسن، مرجع سابق، ص 22
16 U.N.Economic and Social Council Administrative Co-orintation Committee. Twenteenth Report
-9-
5( التحديث: (
يتضمن معنى مفهوم التحديث التحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث، والتحديث عملية
تمايز بنائي، أي هي نتائج لتماي ا زت بنائية، أو الانتقال من مجتمع متجانس إلى مجتمع يقوم على
التخصص في الوظائف وتقسيم العمل وانتشار الصناعة، فضلا عن أن هذا التحول يتم في أربعة
قطاعات اجتماعية: الز ا رعة، والصناعة، والتكنولوجيا، والح ا رك الاجتماعي السكاني. كما أن التحديث
عملية تغير اجتماعي يتحول فيه المجتمع النامي إلى اكتساب الخصائص الشائعة المميزة للمجتمعات
الأكثر تحض ا رً 17 .
ويربط بعض العلماء مفه وم التحديث بمفهوم "التغريب" Weste Rnization والذي يعني الأخذ
بأنساق القيم الاجتماعية، اولاقتصادية، والسياسية وغيرها من الأنساق التي تولدت في غرب أو روبا. وهذه
الأنساق متضمنة في نظرية التحديث وتفصح عن نفسها بوضوح من خلال المؤش ا رت التي استخدمت
لقياس مستويات التحديث في بلدان بعينها من ناحية، وفي الآ ا رء المرحلية المرتبطة "بالحياة" الجيدة التي
صدرت من كتاب الغرب، من ناحية أخرى 18 .
ويذهب "ألبرت مور" إلى أن التحديث يتضمن بالضرورة إدخال تحول شامل في بناء ونظم المجتمع
التقليدي الذي لم يصل بعد إلى مستوى المجتمع الحديث، ويستهدف هذا التحول إحلال نموذج
التكنولوجيا، ونموذج التنظيم الاجتماعي المميز للمجتمعات الغربية، بدلا من النماذج السائدة في
المجتمعات المتخلفة 19 .
من هنا نلاحظ أن علماء الغرب يتحدثون عن أربعة مفاهيم بمعنى واحد، وهي التنمية، والتقدم،
والتحديث، والتغريب، ويذهبون إلى أن المفاهيم تعني إحلال النظم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية،
والفكرية للغرب محل النظم القائمة في المجتمعات التقليدية، وبالتالي تعني إرساء النظام ال أ رسمالي
الليب ا رلي، واقتصادات السوق، والحزبية والديمق ا رطية الغربية وغير ذلك من النظم والممارسات.
17 أحمد الخشاب، التغير الاجتماعي، القاهرة، 1911 ، ص 1
18 عبدالباسط عبدالمعطي، عادل مختار الهواري، علم الاجتماع والتنمية. دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، 2002 ، ص 22
19 نفس المرجع، ص 24
-11-
مصادر التغير الاجتماعي:
هناك مصد ا رن للتغير هما:
1 المصدر الداخلي: أي أن يكون نتيجة لتفاعلات تتم ضمن الواقع الاجتماعي أو النسق
الاجتماعي، فتعمل على بلورة نوع من الوعي الداعي بل القابل للتغير، مثل الق ا ر ا رت الإدارية والتعليم،
والمشروعات الكبرى، وكذلك بعض الحركات الداعية للتجديد أو الإصلاح... إلخ.
2  المصدر الخارجي: الذي يأتي من خارج النسق الاجتماعي، نتيجة انفتاح المجتمع واتصاله
بغيره من المجتمعات الأخرى، وما ينتج عن ذلك من الاستي ا ردات والإعلام، أو تدخلات المنظمات
الدولية... إلخ . وسواء أكان المصدر من الداخل أم من الخارج، فإن ذلك يقوم على آليات محددة هي:
) أ( الاخت ا رع والاكتشاف: يبدو في ابتكار أشياء جديدة لم تكن موجودة من قبل، مثل اكتشاف
البترول، اولمخترعات كوسائل المواصلات والاتصالات ومختلف أنواع التكنولوجيا.
)ب ( الذكاء والبيئة الثقافية: حيث إن الاخت ا رع أو الاكتشاف، يتطلب مستوى مرتفعاً من الذكاء
والإبداع والمباد ا رت الواعية من الأشخاص والجماعات.
)ج( الانتشار: ويعني قبول الاكتشافات والتفاعل مع المخترعات والتجديدات ال وافدة من قبل أف ا رد
المجتمع، إلا أن الاخت ا رعات لن يكتب لها النجاح في أن تؤدي إلى عملية التغير حتى تعم وتنتشر لدى
أشخاص كثيرين، أي على نطاق واسع في المجتمع مثل انتشار الفضائيات والإنترنت وتوظيفها في خدمة
إحداث التغيير وتوجيهه 20 .
إن أول ما نفكر فيه فيما يتصل بمصادر التغير الاجتماعي هو دور التكنولوجيا في إحداث تغي ا رت
تتعلق بوضع الشباب واتجاهاتهم ومواقفهم في الوطن العربي سواء كانت دولا فقيرة أو دولا غنية، إلا أننا
لا نستطيع أن نزعم أن التكنولوجيا هي المؤثر الوحيد في التغير الاجتماعي إنما هناك محددات اجتماعية
وثقافية للتكنولوجيا، فالقول إن الحاجة أم الاخت ا رع إنما يعني أن هناك شروطاً تحفز إلى التغير
التكنولوجي، ومن جهة أخرى فإن انتشار المعرفة الذي يعد عاملاً ثقافياً يشجع التغير الاجتماعي ويعجل
حدوثه، على الرغم من وجود مقاومة للتغير الاجتماعي ترجع لظروف اجتماعية وثقافية محددة.
في معظم المواقف الاجتماعية فإن التفاعلات اليومية تميل إلى التوافق والتناغم مع المظاهر العامة
للواقع الاجتماعي، بأبعاده الشخصية والجماعية والمجتمعية، كما أن التجديدات الأساسية التي تتم في
إطار الحياة الاجتماعية والثقافية تصيب النمط السائد بالاضط ا رب، وهذا الاضط ا رب في حد ذاته عبارة
عن اختلال في توازن النظام مما يجعله غير قادر على تأدية وظائفه، ولهذا فإنه يؤدي إلى سلسلة من
التغي ا رت التوافقية، وهي تغي ا رت تحدث استجابة للتغير في أحد المكونات الأساسية، وقد تؤدي هذه
20 معن خليل عمر، مرجع سابق، ص 12
-11-
التغي ا رت من جانبها إلى تغي ا رت في المواقف الاجتماعية المرتبطة بها كالأوضاع الاجتماعية والأدوار
والم ا ركز... إلخ. فأي تغير في عامل أو أكثر من الع وامل المتفاعلة، يستدعي بالضرورة حدوث تغي ا رت
توافقية في الأنساق المرتبطة بالسلوك الاجتماعي، فالتغير الاجتماعي لا يحدده عامل واحد، إنما يتم
بمساعدة عوامل أخرى، وتكون عملية الفصل بين العوامل من باب الفرضية من أجل التحليل والد ا رسة
فقط.
ويرى "ه ربرت ليونبرجر" 21 أن هناك سلسلة من الم ا رحل يمر بها الفرد قبل أن يأخذ بالنمط الجديد
للتغير وهي:
1 مرحلة الإحساس: وهي تتمثل بأول سماع أو معرفة بالموضوع الجديد.
2 مرحلة الاهتمام: وهي مرحلة تجميع المعلومات حول الموضوع الجديد بغرض تحديد درجة
فائدته.
3 مرحلة التقييم: وهي مرحلة اختيار المعلومات المستقاة عن الموضوع الجديد وتفسيرها وفق
الظروف السائدة، ود ا رسة مدى ملاءمتها من أجل الأخذ بها.
4 مرحلة المحاولة: وهي مرحلة اختبار الفكرة ود ا رسة كيفية تطبيقها.
5 مرحلة التبني: وهي مرحلة التسليم بالموضوع الجديد واعتماده، ليأخذ مكانه في النمط السائد
للتغير.
وهذه الم ا رحل الخمس السابقة لا تأتي دائماً مرتبة، إنما قد يط أ ر عليها تغيير بإضافة عناصر
جديدة، أو حذف بعضها، وقد تتداخل بعض الم ا رحل مع الأخرى، وهذا يدفعنا لد ا رسة عوامل التغير
الاجتماعي.
21 Londan.. Berttels. stif. J. 2005 p>32 Diana Leat, Theories of social change.
-12-
عوامل التغير الاجتماعي:
في الواقع يخضع التغير الاجتماعي لعوامل موضوعية، أي لا يحدث بصورة عشوائية بل وفق
قوانين معينة، وقد لا يكون لها دقة القوانين الطبيعية ولكنها تحمل الصفات العامة للقوانين العلمية، ومن
المعروف أن أغلبية النظريات المهتمة بد ا رسة التغير الاجتماعي، قد انطلقت من العالم الخاص "بالدول
المتقدمة"، وبالتالي فإن هذه النظريات قد استلهمت بصورة أساسية واقع المجتمعات الغربية، الأمر الذي
بقي معه التغير الاجتماعي في أكثر من نصف الكرة الأرضية  المجتمعات المتخلفة أو التابعة  دون
د ا رسة جادة وموضوعية.
إن النظريات كافة تجمع اليوم، على أن للبلدان المتخلفة مواصفات خاصة ربما تضرب جذ ورها في
الماضي السحيق  أسلوب الإنتاج الآسيوي  وهذا يفترض أن تحمل عملية التغير الاجتماعي فيها
مواصفات خاصة، إضافة إلى اند ا رجها في المسار العام لقوانين التطور الاجتماعي، وتغليب دور العامل
الموضوعي على العامل الذاتي، ويجب ألا يعني ذلك:
1 أن هناك تعارض اً بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي.
2 الانغماس في نظرة "أحادية" تفسر التغير الاجتماعي تفسي ا ر ميتافيزيقيا يعطي أحد العوامل قوة
"المتغير المستقل"، بينما تأخذ بقية العوامل  إن اعترف بها  دور التوابع، دون أن يؤخذ في الاعتبار
العلاقة الجدلية بين العوامل المختلفة.
وفي الواقع، يوجد منظو ا رن متماي ا زن إلى عملية التغير الاجتماعي: منظور ميتافيزيقي ينظر إلى
الظاهرة في عزلتها وثباتها، وآخر منظور جدلي ينظر إلى هذه الظواهر في حركتها وتداخلها وعلاقاتها
المتبادلة، وأنه وفق هذا المنظور الجدلي ينتفي أي تعا رض بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي من جهة،
وتنتفي التفسي ا رت الأحادية من جهة أخرى 22 .
ويواجه الباحث في د ا رسته لعوامل التغير الاجتماعي وتصنيفها صعوبة التمييز بين السبب
والنتيجة، اولعلة والمعلول، اولسابق والمسبوق، ولاسيما حينما يكون المنطلق الذي يصدر عنه الباحث هو
المنهج الجدلي الذي يرى الظواهر في ت ا ربطاتها وتفاعلاتها وليس في انف ا ردها وتجزئها. وقد يضع أصحاب
النظرية الماركسية الشبهة على "نظرية العوامل" في علم الاجتماع الغربي، ويرى أن الهدف الأساسي لهذه
النظرية هو تضييع الحقيقة، ووضع الأهم والأقل أهمية في مرتبة واحدة، وفي بوتقة واحدة، بحجة أنها
جميعا تمثل العوامل المختلفة المسببة لعملية التغير الاجتماعي.
والواقع أن مسألة العوامل ليست خطأ علمياً في حد ذاتها، إنما في طريقة استخدامها، وفي الأهداف
الأيديولوجية الكامنة و ا رءها، وبالمنهج الذي يوجهها، فإذا كان هذا المنهج ميتافيزيقيا، يمكن فعلاً أن نقع
22 - 1911 ، ص 21 22 ، عادل مختار الهواري، سوسيولوجيا التخلف والتنمية في العالم التابع. مجلة د ا رسات عربية، بيروت، العدد 9 .
-13-
في محذور "نظرية العوامل"، أما إذا كان المنهج جدليا، فإن نظرية العوامل تصبح على العكس أم ا رً
ضرورياً لا غنى عنه لفهم عملية التغير الاجتماعي المعقدة.
من هنا، تتوقف عملية التغير الاجتماعي على تفاعل عوامل عدة، مثل التكنولوجي والاقتصادي
والثقافي والسياسي والأيديولوجي، وليس لعامل واحد ترجيح أو أفضلية على العوامل الأخرى في حد ذاته،
كما أن إيجاد تصنيف موحد لعوامل التغير الاجتماعي في ظل هذا التشعب النظري في علم الاجتماع،
أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، فعملية التصنيف هي بحد ذاتها جزء من عملية التنظير، وهي بالتالي
لابد أن تتأثر بالخلفيات الاجتماعية والأيديولوجية للباحث، ويمكن عرض عوامل التغير الاجتماعي
بالتفصيل فيما يلي:
1 العامل الأيكولوجي:
يسمى هذا العامل البيئي أو الجغ ا رفي، ويقصد به مكونات البيئة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان
وتشمل الموقع والتضاريس والتربة والمناخ والمواد الأولية، وبالتالي مستوى المعيشة والرخاء في المجتمع
بما تضمه الأرض من ثروات، فاقتصادات الدولة التي تغلب عليها الطبيعة الصح ا روية والأ ا رضي البور أو
المحلية تختلف عن تلك ال ا زخرة بالبترول أو مناجم الفحم أو الحديد أو الذهب... إلخ. وهذه الممي ا زت
تنعكس على الظروف السياسية وحياة المجتمع.
إن المجتمع جزء من العالم المادي، وهو في تطوره إنما يتبادل التأثير والتأثر مع الطبيعة التي تعتبر
شرطا ضروريا لحياة الناس ولوجود المجتمع وتطوره، ويقول "بولدينح": يتألف النظام الاجتماعي من جميع
الكائنات البشرية ويلتصق هذا النظام الاجتماعي بسطح الأرض، بحيث تصح تسميته بالمحيط
الاجتماعي، وهكذا فإن المحيط الاجتماعي يحتل مكانه جنبا إلى جنب مع محيط اليابسة والمحيطات
المائية والجوية والحياتية التي تغلف الكرة الأرضية، وهو ذو علاقة متينة تتشابك بقوة مع المحيطات
الأخرى التي يمتزج بها، والتي لا يمكن أن تكتب لها الحياة بدونها، ولكنه مع ذلك يتمتع بديناميكية خاصة
به وباستقلال ذاتي 23 .
أي أن الظروف المناخية والبيئية التي يعيش بها مجتمع ما تتطلب إقامة أشكال اجتماعية تختلف
حسب بيئتهم، وهذا يو ج د تفاوتا بين سرعة التغير الاجتماعي من مجتمع لآخر، فمثلا نرى اختلاف التغير
الاجتماعي لسكان إقليم حوض البحر المتوسط عن سكان الخليج العربي من حيث عاداتهم وقيمهم وتطور
أساليب معيشتهم.
إن هذا الأثر المهم لدور العامل البيئي في عملية التغير الاجتماعي، يجب ألا يدفع بنا إلى السقوط
في "الحتمية الجغ ا رفية" كما حصل لبعض المفكرين البرجوازيين في القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من
وجود بذور الحتمية الجغ ا رفية عند "مونتسكيو"، فإن الخلفية الأيديولوجية لهذه الحقبة، وقياسا على مرحلته
23 محمد أحمد الزغبي، التغير الاجتماعي بين علم الاجتماع البورجوازي وعلم الاجتماع الاشت ا ركي، دار الطليعة، بيروت، ص 11
-14-
التاريخية، كانت خلفية تقدمية، ذلك أن إب ا رز دور الشروط الطبيعية الموضوعية في حياة المجتمع والسعي
إلى كشف قوانين التطور بالاستناد إلى هذه الظروف الموضوعية  على ما به من تصور وخطأ  كان
ضربة قوية للاتجاهات الإقطاعية الرجعية آنذاك، وللحكم البيروق ا رطي الميتافيزيقي. أما بالنسبة إلى
جغ ا رفية القرن العشرين، فإن الأمر على العكس، حيث أخذ هذا الاتجاه يخدم أهداف ال أ رسمالية، كما هي
الحال عند الألماني "رتزل" والإنكليزي "بوكل" 24 .
2 العامل الديموغ ا رفي:
ويقصد به الآثار المترتبة عن الوضع السكاني في اختلاف حجمه، أي عدد السكان لمنطقة ما
وكثافته، ومعدلات المواليد والوفيات بالزيادة أو النقصان، وهج ا رته الداخلية والخارجية، فقد تسبب هذه
العوامل تفككا في الحياة الاجتماعية، وقد تسبب ح ا ركا اجتماعيا في مجتمعات أخرى.
ولقد أعطى عالم الاقتصاد الإنكليزي "توماس روبرت مالتوس" 25 ، للعامل الديموغ ا رفي دو ا ر مخيفا في
8 ، 4 ، عملية التطور الاجتماعي، حيث تصور أن نمو السكان إنما يتم على شكل متواليات هندسية ) 2
...4 ،3 ،2 ، 11 ...إلخ(. في حين يتم ت ا زيد وسائل الغذاء وكميته على شكل متواليات حسابية فقط ) 1 ،
إلخ(. أي أننا لو اعتبرنا سكان الكرة الأرضية "واحدا" لتضاعف هذا العدد خلال 25 عاماً إذا لم يعرقل
،)2 : تكاثره شيء، وخلال قرنين من الزمن سوف تصبح النسبة بين عدد السكان ووسائل المعيشة ) 251
وانطلاقا من هذا التصور المغلوط والمتشائم معا، فقد تصور "مالتوس" أن العالم مهدد بفيض السكان
المطلق، وبالتالي الص ا رع من أجل البقاء، حيث سيهلك الضعفاء متنازلين عن أماكنهم لمن هم أقوى
وأزكى وأصلح للبقاء منهم!!.
وخلص من و ا رء هذه الدارونية الاجتماعية الفجة إلى عدد من الاستنتاجات غير الإنسانية، وهذا أن
كل ما يساعد على تقليل عدد السكان هو خير حتى لو كان الجوع أو المرض أو الحروب أو أي وسيلة
أخرى غير إنسانية.
إن مثل هذه النظريات الميتافيزيقية الواحدية تسقط من اعتبارها واقع الحال أن نمو السكان نفسه إنما
يتجدد بتطور الإنتاج، ويتعلق بالشروط الاجتماعية لحياة الناس بنفس القدر الذي يؤثر فيه بتطور الإنتاج
وبحياة الناس الاجتماعية. ويؤيد ذلك أن نسبة النمو السكاني تختلف في مرحلتنا ال ا رهنة من مجتمع إلى
آخر، بل تختلف بصورة أساسية بين المجتمعات الصناعية المتقدمة والمجتمعات الز ا رعية المتخلفة.
24 Nordskog.S.E.: Social change Macgrow- Hill. comp-N.Y. 1989. p.16
25 Lorimer, F.: Caleture and Human Fertility. Paris. unesco. 1954, pp. 212-213
-15-
ومن جهة أخرى، فإن نمو السكان أو حجمهم لم يت ا رفق دوما مع تطور القوى المنتجة، ففي الصين
مثلا كانت القوى المنتجة قبل الثورة الاشت ا ركية تسير ببطء شديد، رغم الكثافة السكانية العالية، وفي ظل
نفس الكثافة السكانية شرعت هذه القوى تتطور بشكل متسارع في ظل النظام الاجتماعي الجديد.
وفي الواقع، أن نمو السكان وكثافتهم يخلقان فقط امكانات محدودة من أجل التطور الاجتماعي،
ولكن الاستفادة منها تظل أم ا رً يتعلق بحالة المجتمع نفسه وبالنظام الاجتماعي القائم 26 .
3 العامل البيولوجي:
يسمى الحتمية البيولوجية، لأنه يرجع التغيير إلى أسباب بعيدة عن تأثير الثقافة وتدخل الإنسان،
ويعتبر أصحاب هذه المدرسة أن الو ا رثة "العنصر، أي العرق" هي سبب التغير والتقدم الاجتماعي، كما
يشير إلى توالي الأجيال واختلاف بعض خصائصها جيلاً بعد جيل.
إن أصحاب هذه النظرية يذهبون في ربطهم للعامل البيولوجي بأشكال التغير الاجتماعي المختلفة
إلى الحد الذي يؤكدون فيه أنها تؤثر في سير التاريخ، ولقد تلقفت النازية من هؤلاء فكرة تدرج الأجناس،
وحاولت أن تقيم نظرية: "الجنس السيد" الذي يتصف بمواهب و ا رثية عالية تستطيع أن تغير وجه التاريخ.
ويعطي علماء البيولوجيا اهتماماً كبي ا ر بربط التطور بالجانبين الو ا رثي والبيئي، وتبعا ل "داروين" فإنه
إذا ما تغيرت الظروف أو الأحوال في بعض الأماكن التي يوجد الكائن الحي في بيئتها، فإن هذا التعديل
يجلب معه تغي ا رً في الحاجات، وبالتالي في العادات والأفعال، مما يترتب عليه أن يكثر ويستمر في
استعمال بعض الأعضاء عن الحد اللازم فتقوى وتنمو، على الأخص عند الكائن الصغير الذي لا ي ا زل
في طريقه للنمو. ومن جهة أخرى، يؤدي النقص المستمر في استعمال أي عضو إلى إضعافه بدرجة
غير محسوسة ثم ينتهي الأمر إلى الضمور والاختفاء. ولهذا فإن تأثير البيئة أو الوسط يعدل ببطء أشكال
الأحياء عن طريق الظروف التي تفرضها 27 .
وفي الواقع، يوجد اتجاهان في تفسير مسألة الاختلاف بين أف ا رد النوع الإنساني، ومنعكساتها على
التغير الاجتماعي أو العكسي، الأول يفترض أن هذا التباين بين أف ا رد النوع البشري إنما يرجع إلى تباين
في الو ا رثة. والثاني يفترض أن هذا التباين بين أف ا رد النوع البشري إنما يرجع إلى التباين في البيئات
المختلفة، وخاصة البيئة الاجتماعية، وقد وجد على مدى التاريخ ص ا رع حاد بين هذين الاتجاهين، كان
في حقيقته انعكاساً أيديولوجيا للواقع الاجتماعي والاقتصادي في الحقبات التاريخية المختلفة.
26 محمد أحمد الزغبي، مرجع سابق، ص 14
27 محمد طلعت عيسى، فلسفة التغيير المخطط
-16-
4 العامل الاقتصادي:
إن طبيعة النشاط الاقتصادي للسكان تؤثر في العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأف ا رد
والجماعات، لأن العامل الاقتصادي هو المحور الأساسي لبناء المجتمع وتطوره، كما أن أسلوب الإنتاج
هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسية في حياة الأف ا رد، وتختلف الصناعة الحديثة
بصورة جوهرية عن أنساق الإنتاج السابقة التي كان مستوى الإنتاج فيها ساكنا إلى حد بعيد لأنه يهدف
إلى تلبية الحاجات الاستهلاكية المعتادة، على عكس النسق الحديث نجد ال أ رسمالية تشجع إعادة النظر
في ثقافة الإنتاج التي يجري فيها تطبيق كل الاكتشافات العلمية، ومن الأمثلة على التغير في المجتمعات
الصناعية دخول الم أ رة بقوة إلى سوق العمل، حيث لعبت أدوا ا رً مهمة في العمل والوظائف الحكومية
والأعمال المهنية الأخرى.
وتعتبر العوامل الاقتصادية ذات تأثير بليغ في إحداث التغير الاجتماعي، حيث يرى ماركس أن
عملية الإنتاج الاجتماعي تجعل الأف ا رد يدخلون في علاقات محددة معينة، تلك العلاقات توجد بغض
النظر عن إ ا ردتهم، وهي تطابق مرحلة معينة من م ا رحل تطور القوى المادية للإنتاج، وهي التي تحوى
الكيان الاقتصادي للمجتمع، وهي الأساس للبناء القانوني والسياسي الذي يعرف بالبناء الفوقي. أي بعبارة
أخرى، يعتبر ماركس الكيان الاقتصادي كقاعدة أساسية يقوم عليها القانون والسياسة وغيرها من الظواهر
الاجتماعية الأخرى، لذلك فشكل الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يقرر الطبيعة العامة للعمليات
الروحية والاجتماعية والسياسية في المجتمع، كما تؤكد نظريته أن أي تغير في الأساس الاقتصادي يؤدي
إلى تغير في الظواهر الاجتماعية الأخرى، أي أن تغير وسائل الإنتاج يؤدي إلى التغير في الكيان
الاجتماعي 28 .
من هنا نجد أن العامل الاقتصادي يلعب دو ا رً رئيساً في تطلعات المجتمع وامكاناته ومشكلاته
النوعية، فبعض البلاد تمثل الز ا رعة نسبا هامة من نشاطها الاقتصادي، وبلاد أخرى تمثل الصناعة اللون
الغالب في نشاطها الاقتصادي، في حين أن بلاداً أخرى تمثل الثروة المعدنية من بترول وفوسفات وفحم
وحديد أو غي رها من مصادر الطاقة، مكاناً رئيساً في اقتصاداتها.
5 العامل التكنولوجي:
يرى كثير من العلماء أن التكنولوجيا هي السبب الأساسي و ا رء التغير الاجتماعي، وترتبط التكنولوجيا
بالإنسان منذ وجوده على هذه الأرض، حيث نجد أن للابتكا ا رت العلمية تأثي ا رً مباش ا رً على الحياة
الاجتماعية وعلى سلوك الأف ا رد وعلاقتهم الاجتماعية، فقد أدى استخدام التكنولوجيا في الصناعة مثلا إلى
28 10: عادل مختار الهواري، التغير الاجتماعي والتنمية... مرجع سابق، ص 29
-17-
ضخامة الإنتاج والتخصص في العمل، وتركيز القوة في المدن وزيادة الهجرة الريفية إليها، وظهور
علاقات اجتماعية وقيم اجتماعية جديدة فرضها إيقاع الحياة السريع والتغير الاجتماعي الجديد. كما أن
التقدم التكنولوجي في المجالات الطبية ساعد في تخفيض معدلات الوفيات وهذا يؤثر في التركيب
السكاني، وبدوره يؤثر في الحياة الاجتماعية.
كما أن للاخت ا رعات والاكتشافات العلمية الجديدة المتجددة أثرها الكبير في التغير الاجتماعي مثل
اكتشاف وسائط النقل المتطورة ووسائل الاتصالات والإعلام، فالتغير التكنولوجي له آثار واسعة النطاق
في تحديد شكل ووظيفة المجتمع سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو العم ا رنية، ويرتبط العامل
التكنولوجي ارتباطا قوي اً بالعامل الثقافي، فالثقافة بمعناها الحديث تساوي كل ما أبدعه الإنسان من إنتاج
مادي وروحي، ولما كان الإنتاج المادي مرتبطا بصورة أساسية بالتكنولوجيا، فإن التكنولوجيا تكون على
هذا الأساس جزء لا يتج أ ز من النظام الثقافي في المجتمع.
ويمكن طرح السؤال التالي: هل نشهد دخول البشرية في مرحلة جديدة فريدة في الاكتشافات العلمية؟
لقد اعتبر البشر خلال التاريخ، العلم والتكنولوجيا أداتان مساعدتان للإنسان وتوسيع للقدرة البشرية على
التحكم في الأشياء، ولكن يبدو أن بعض التكنولوجيات توجد بموجب قوانينها الخاصة بها، وعلى نحو
مستقل عن حاجة البشر إليها، ولأغ ا رض ليس لها دخل يستحق الذكر بتوسيع القدرة البشرية. هذه
التكنولوجيات ت ا زحم وتحل محل المعنى والمغزى البشريين.
ومن الأمثلة على ذلك، قيام باحثين في معهد معني بعلم ما يسمى "الإنسان الآلي" وتابع لجامعة
كارنيجي مالن في الولايات المتحدة، باستحداث إنسان آلي سيقوم بحلول عام 2222 "حسب قولهم" بأداء
وظائف كثيرة يمكن للبشر أن يؤدوها، غير أن "الإنسان الآلي" سيؤديها على نحو أفضل، ويقولون إنه
بحلول عام 2232 سيكون هذا "الإنسان الآلي" أشد أشكال الحياة ذكاء على الأرض.
ولا يسعنا إلا أن نسأل عما إذا كان من الممكن في النهاية استحداث إنسان آلي كهذا؟ وما الدافع
و ا رء رغبة أي منظمة في تمويل اخت ا رع "إنسان آلي" كهذا يتفوق أداؤه على أداء البشر ويتفضل بأن يسمح
للجنس البشري بأن يواصل وجوده 29.
1 العامل السياسي:
إن أهم العوامل التي أدت دو ا رً أساسياً في إحداث التغير الاجتماعي هو العامل السياسي: نظام
الحكم، التنظيم السياسي، الأح ا زب، الحكومة... ومن المتفق عليه، أن حكومة أي دولة هي التي تؤدي
الدور الحاسم في رسم سياسة هذه الدولة في الداخل والخارج. كما أن بعض الأحداث السياسية المفاجئة
29 تيسير الناشف، التغير الاجتماعي والتكنولوجي وآثاره في الإنسان والمجتمع الدولي. مجلة أقلام، دمشق، 2012 ، ص 21
-18-
تؤثر تأثي ا رً مباش ا ر في التغير الاجتماعي، مثل انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1222 وما أحدثه من
تغيي ا رت شاملة في الداخل والخارج، وكذلك الحرب الع ا رقية مع أميركا وحلفائها، وأخي ا ر ثو ا رت الشباب في
كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وما أحدثته من تغيي ا رت في منطقة الشرق الأوسط، كل ذلك
أثر اقتصاديا وفكريا في أف ا رد المجتمع، وهذا بدوره يؤثر في المجتمع ككل.
وكلما كانت الحكومة في سياستها الداخلية قليلة الأعباء على الجماهير، أتاحت الفرصة للتعاون
الحكومي الجماهيري، أو بمعنى أوضح وجدت لدى الجماهير قوة دافعة في ممارستها لسلطاتها، ويعتبر
ذلك من أهم عوامل التغير التلقائي لأن شعور الأف ا رد بالتماثل مع السلطة يجعل وحدة الأمة حقيقة
ملموسة. ولهذا فإن شكل نظام الحكم القائم في مجتمع معين يؤدي دو ا رً بالغ الأهمية في تطلعات
الجماهير، وفي إمكانية الوصول إلى تحقيق هذه التطلعات، فالحكم القائم على حرية الفكر وحرية التعبير
يختلف صداه عن الحكم القائم على الاستبداد والتسلط وكبت الحريات الخاصة 30 .
وتعتبر الثورة  التي تتكامل فيها القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية  من العوامل الأولى
الواضحة في إحداث التغير الاجتماعي، والذي يكون في أحيان كثيرة تغي ا رً منشوداً لم يجد له منفذاً إلا قيام
الثورة، والثورة تعني التغير الاجتماعي الشامل بهدف تحقيق التقدم للمجتمع الذي طمسته عوامل التخلف
بين مستعمر واقطاع ورجعية على الرغم مما يرتبط به مفهوم الثورة من إ ا رقة للدماء.
ويعتبر "جيدنز" 31 أن عامل التنظيم السياسي يساهم بشكل كبير في إحداث التغير الاجتماعي، حيث
تقوم العوامل الفاعلة  مثل الزعامات، والملوك، والحكومات  بدور بالغ الأهمية في التأثير على مسا ا رت
النمو التي قد يتخذها المجتمع. ويرى أن هناك أنواع اً مختلفة من الأنساق السياسية قد تنشأ في مجتمعات
تتشابه في نظم الإنتاج، فبعض المجتمعات القائمة على ال أ رسمالية الصناعية أفرزت أنساقا سياسية
تسلطية مثل  ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية  بينما برزت الديمق ا رطية في مجتمعات صناعية أخرى مثل،
فرنسا، بريطانيا، والسويد.
ويرى "جيدنز" أن النزعة القومية لم يكن لها نصيب من الاهتمام لدى علماء الاجتماع الكلاسيكيين،
وكان كل من ماركس وقيبر يعتبر أن القومية نزعة مدمرة في أغلب جوانبها، لكن على عكس ذلك يرى
"جيدنز" أن فكرة الدولة القومية قد ظهرت نتائجها في القرن العشرين وتبلورت في عدة مناطق من العالم،
وعلى الرغم من ت ا زيد الاعتماد المتبادل بين دول العالم فإن فكرة القومية ترعرعت وتنامت بصورة مت ا زيدة
مما أسفر عن تأسيس العديد من الدول والنظم القائمة على أسس قومية أو إثنية مثل إس ا رئيل.
30 محمد طلعت عيسى، مرجع سابق، ص 22
31 Giddens, A.: Social change London. 2007. PP0 41-47
-19-
7 العامل الأيديولوجي:
تعتبر الأيديولوجيا قوة فكرية تعمل على تطوير النماذج الاجتماعية الواقعية وفقا لسياسة متكاملة
تتخذ أساليب ووسائل هادفة، وتساندها عادة تبري ا رت اجتماعية أو نظريات فلسفية أو أحكام عقائدية... من
هنا ترتبط الأيديولوجيا بالحركات الاجتماعية، فهي ليست مجرد مجموعة من الأفكار والمعتقدات
والاتجاهات التي تصور جمعا معينا من الناس  سواء كان هذا طبقة اجتماعية، أو مذهب اً من المذاهب،
أو حزبا من الأح ا زب، أو مجتمع اً ككل، أو أمة من الأمم  إنما هي فكرة هادفة لها فعالية إيجابية في
البيئة الاجتماعية، وفي العلاقات الاجتماعية، كما تنعكس روحها على التنشئة الاجتماعية، مما يؤدي إلى
حدوث تغيير في القيم الاجتماعية، والتدرجات الطبقية، والعمليات الاجتماعية المختلفة. كما يؤدي انتشار
المذاهب والتيا ا رت الفكرية إلى تشريعات جديدة، وتنميط لأساليب حياة اجتماعية جديدة، وتقدير لعلاقة
الفرد بغيره وبالجماعات التي يعيش فيها، والمؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها، ومن هنا يكون
انبثاق الأفكار والآ ا رء المحركة من الوضعيات والفئات الاجتماعية الصادرة عنهاعاملا محركا لكثير من
التغي ا رت في المجتمع 32 .
وتؤدي الأيديولوجيا والدين دو ا رً بار ا ز في إحداث أو مقاومة عملية التغير الاجتماعي، فالأيديولوجيات
والأديان  بما تشتمل عليه من آداب ومعتقدات وطرق تفكير ومعايير السلوك  تؤثر في تنظيم الحياة
الاجتماعية، وقد أثرت الأديان في مسيرتها التاريخية في إحداث تغي ا رت جذرية اجتماعية وسياسية وفكرية
في حياة الشعوب.
ومن ناحية أخرى، قد يكون الدين عاملاً معوقاً أو مقاوماً للتغيير الاجتماعي مثل مقاومة رجال الدين
فيما يتعلق بتحديد النسل أو تنظيم الأسرة، وعموما، فإن المفاهيم الدينية وتفسي ا رتها بالنسبة إلى القوة
القائمة والرعاية والأخلاق تميل إلى الاستم ا رر على نفس الوتيرة والى معارضة التغير الاجتماعي.
وتهتم الأيديولوجيات الاشت ا ركية بصفة خاصة بالنضال الأيديولوجي، وتحذر من الانزلاق في نظ رة
اقتصادية ضيقة، ونضال نقابي ب ا رغماني محدود، كما أن إعطاء النضال النظري مثل هذا الدور، ما هو
إلا  في واقع الأمر  تنفيذ لمقولة ماركس: "لقد دأب الفلاسفة حتى الآن على "تفسير" العالم بأشكال
مختلفة في حين أن المهم هو "تغييره"، أي أن ماركس قد وضع الفكر في خدمة التغيير وليس فقط
التفسير منزلا بذلك الفلسفة من السماء إلى الأرض 33 .
إن الأهمية البالغة التي توليها مختلف الدول لقضية الإعلام بأشكاله وصوره المختلفة، وتخصيص
المبالغ الطائلة للمؤسسات المختصة بهذه العملية، وكذلك بعمليات التنشئة الاجتماعية  الأسرة، التعليم،
الثقافة، الإعلام... إلخ  ما هو إلا اعت ا رف بأهمية دور الوعي في عملية التغير الاجتماعي، سواء
32 محمد أحمد الزغبي، مرجع سابق، ص 12
33 عادل مختار الهواري، مرجع سابق، ص 11
-21-
بالمحافظة على الوضع القائم، أو العمل على الإطاحة به يمينا أو يسا ا ر، أي الاعت ا رف بأهمية العامل
الذاتي ودوره بشقيه السياسي والأيديولوجي.
-21-
النظريات المفسرة للتغير الاجتماعي:
يشكو علماء الاجتماع دائما من نقص لنظرية تفسير التغير الاجتماعي، في حين توجد نظرية عن
الفعل الاجتماعي والأنساق الاجتماعية، وأحد تطبيقات التغير يمكن أن تكون أكثر تباينا من نظرية
الأنساق الاجتماعية. ووجهة النظر الأخرى، أن علم الاجتماع المعاصر مرتبط بالتحليل الوظيفي الذي
يتناول د ا رسة الظاهرة الاجتماعية من خلال المضمون البنائي لنسق ما، ولكنه لا يفسر التغير
الاجتماعي، بينما يرى البعض الآخر، أن ما يحتاجه علم الاجتماع هو نظرية واحدة تفسر كلا الثبات
الاجتماعي والتغير الاجتماعي ويرى فريق آخر، أن التغير الاجتماعي فقط حقيقي، بينما الثبات
الاجتماعي هو مجرد وهم، أو على نطاق واسع هو نتاج الفكر المحافظ.
كما حاول بعض علماء الاجتماع التمييز بين التغي ا رت الجزئية والتغي ا رت الكلية في النسق
الاجتماعي، وهكذا فالإصلاح الاجتماعي، أو الخلق والابتكار، يمكن اعتباره تغي ا رت جزئية في النسق
الاجتماعي، وهو الذي يؤسس على التباين الاجتماعي للسمات الخاصة، حتى بعض درجات التأميم
للصناعات الرئيسة يمكن اعتبارها تغي ا رت جزئية في النسق الاجتماعي، حيث إنها تتلازم في الوجود مع
الملامح الخاصة للملكية في مجالات أخرى، كما أنها تتفاوت في درجة تأثيرها من حيث الاختيار
الشخصي لم ا ركز القوى في الصناعات المؤممة، ومن جانب آخر فإن العاملين الذين يتحكمون في
الصناعة، يمكن اعتبارهم تغي ا ر في النسق ذاته.
والصعوبة التي تكمن هنا، هي التعرف على التغير بصورة شاملة للنسق الاجتماعي. فإذا كان كل
شيء في النسق الاجتماعي يتغير، ومن ثم لا يوجد أي أسلوب يماثله على أنه يمثل نفس النسق
الاجتماعي، واذا كانت الحالة كذلك، فإنه من الصعب تغيره من الناحية المنطقية، وفي الواقع لسنا في
حاجة إلى الذهاب و ا رء الأمثلة المتطرفة، حيث لا ي وجد نسق اجتماعي يتغير كليا، حتى إن معظم
التغي ا رت ال ا رديكالية  الثو ا رت  لا تمثل تغي ا رت كلية لجميع الملامح الخاصة بالبناء الاجتماعي، فالتغير
يكون غالبا غير شامل وجزئيا، وفكرة التغير الكلي هي أكثر اقت ا ربا إلى الخ ا رفة منها إلى النظرية
الاجتماعية العلمية 34 .
ومنذ القرن الثامن عشر، وعلماء النظرية الاجتماعية يفكرون في ميكانيزمات التغير الاجتماعي، وقد
حاولوا ككل تفسير كل أو أغلب أشكال التغير من خلال العامل الواحد، ويمكن تقسيم نظرياتهم إلى
مجموعتين:
1 هؤلاء الذين يفسرون في ضوء العوامل أو العمليات الداخلية.
2 هؤلاء الذين يؤكدون العوامل الخارجية.
34 Percy. Cohen Modern Social Theory. London, Heinemann, Educational Books. Ltd. 1968. pp. 216-219
-22-
وأفضل تفسير معروف للتغير الاجتماعي في ضوء العامل الواحد أو العامل المسيطر هو النظرية
التكنولوجية، اولنظرية الاقتصادية، ونظرية الصداع، ونظرية اللا تكامل، ونظرية التكيف، اولنظرية
الفكرية، ونظرية التفاعل الثقافي.
1 النظرية التكنولوجية:
في بعض الأحيان ترتبط هذه النظرية خطأ بالماركسية، كما أنها انتشرت حديث اً لتفسير النمو المتشابه
بين المجتمعات الصناعية الاشت ا ركية وغير الاشت ا ركية، وفي مضمون آخر تستخدم للتحليل والتنبؤ
بعمليات التغير الاجتماعي في المجتمعات النامية، ويمكن أن تحتوي النظرية التكنولوجية على شكلين 35 .
أ  تقرير شروط كافية لتفسير التغير الاجتماعي.
ب  تقرير شروط ضرورية لتفسير التغير الاجتماعي.
في الشكل الأول، من الواضح أن النظرية تكون حقيقية في أحد المجالات و ا زئفة في الأخرى: أن أي
تغير تكنولوجي ينتج بدرجة كافية بعض التغي ا رت الاجتماعية الأخرى كنتائج تابعة له، مثال ذلك:
الأساليب الفنية الحديثة للمصانع قد أثرت في العلاقات الاجتماعية المصاحبة للصناعة، كما أن بعض
الأساليب الفنية الحديثة قد أثرت في بعض مجالات التنظيم العسكري، وأنه من الصعب أن نجد أي معنى
للتغير التكنولوجي وحده يمكنه أن ينتج تغي ا رت اجتماعية لكل الأنماط.
ويرى الشكل الثاني أن التغير التكنولوجي دائما شرط ضروري لحدوث التغي ا رت الاجتماعية الأخرى.
قد يكون هناك حالات تكنولوجية معينة ضرورية قبل العوامل الأخرى التي تستطيع إحداث تغيي ا رت معينة،
ولكن هذه الحاجة لا تعجل أو ليست معجلة بالتغير الاجتماعي، ولكن يظل السؤال الملح هنا: لماذا
يحدث التغير التكنولوجي ذاته؟ ولماذا يكون التغير التكنولوجي ناد ا ر في بعض المجتمعات، وفي فت ا رت
معينة من التاريخ.
وقد استخدم بعض العلماء حالة التكنولوجيا كمعيار لبناء تصنيف المجتمعات التاريخية فالثورة
الصناعية الحديثة قد مرت بمرحلتين: ثورة الفحم والحديد في القرن الثامن عشر، وثورة النيو تقنية
والكهرباء في أواخر القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين، بدأت المرحلة الثالثة بظهور مصادر جديدة
للطاقة: النفط، والغاز، والذرة، مما تسبب في الانتشار والتنوع للاخت ا رعات والابتكا ا رت وخاصة "الإنترنت"
مما أحدث تغيي ا ر رئيسا في القيم الاجتماعية لأي مجتمع.
من هنا أصبحت التكنولوجيا الحديثة مصد ا رً رئيس اً للتغير الاجتماعي، فمثلا قامت الهواتف الخليوية
بتغيير حياة الملايين من البشر عبر العالم، وبصفة خاصة بلدان العالم الثالث، حيث هناك بنية تحتية
35 Ibid. P. 222
-23-
للاتصالات منخفضة التكلفة، وتبعا لذلك فإن أعداد اً كبيرة من السكان أصبحت متصلة ببعض، كما أن
الدخول إلى الإنترنت ن م ى المعرفة بشكل واسع، مما أثر في ظهور قيم جديدة لدى قطاعات عديدة من
المجتمع خاصة الشباب. كما تعتبر التكنولوجيا تطو ا ر اقتصاديا كبي ا ر، فهي أيضا تمنح المجتمعات فرصة
للتحديث والتقدم.
وخلاصة ذلك أن التغير الاجتماعي اليوم أسرع وأعمق من التغير قديما، نتيجة للثورة التكنولوجية،
ووسائل الاتصال العديدة، فانتشار عادة أو نمط جديد في مجتمع ما ينتقل بسرعة إلى مجتمعات بعيدة،
يعكس ما كان سائد اً في المجتمعات القديمة، ويكون أشد عمقا، حيث يصل إلى فئات عديدة في المجتمع،
ويؤدي إلى تغي ا رت توافقية كثيرة.
2 النظرية الاقتصادية:
تدين كثي ا ر لتأثير ماركس والماركسية  واحتلت النظ رية الاقتصادية للتغير مكانا رئيسي اً في د ا رسات
ومناقشات علماء الاجتماع. هذا ليس لأنها على الأقل في تأثيرها بالماركسية تكون مقبولة أكثر، ولكن
لأنها تدعو إلى تغي ا رت ودفاعات لا نهائية، وبدون شك يرجع ذلك جزئيا إلى الأهمية الشائعة للماركسية
كمذهب أيديولوجي في نضاله مع المجتمعات أو بينها. وكذلك يرجع أيضا إلى جاذبية المذهب، وبدون
سبب كم من النقد وجه ضدها، وهذا لأنها تبدو مقبولة، كما تبدو أنها نافذة إلى أعماق الحقيقة
الاجتماعية، وبطبيعة الحال، فإن التفسي ا رت الاقتصادية للتاريخ أو التغير الاجتماعي، ليست في حاجة أن
تكون ماركسية، ولكن لا يوجد اي من المتغي ا رت الأخرى للمذهب نال الاهتمام مثل الماركسية.
والجدل الماركسي، لا يستخدم الأساليب الميتافيزيقية في التفسير، ولا الصور المثالية للتفسير، إنما
هو جدل مادي أي جدل الواقع، والواقع هنا هو واقع الطبيعة وواقع الفكر، ولهذا أصبح الجدل عند
ماركس هو الأسلوب الوحيد لمعرفة الفكر المنبثق عن الواقع. وتعرف المادية الجدلية بأنها: "علم القوانين
العامة التي تحكم تطور المجتمع 36 ". ومعنى ذلك، أن المادية الجدلية هي ذلك العلم النظري الذي عنه
تصدر قوانين التطور، تلك التي تحكم حركة تلك النظم والظواهر السائدة في البناء الاجتماعي.
ومن السمات المميزة لمنهج المادية التاريخية أنه يبحث عن الأسباب الرئيسة للتغير الاجتماعي في
نطاق الحقائق التي تكون في متناول التحليل، وليس في الحقائق الخارجة عنه. أي أن أسباب التغير
الاجتماعي تكمن في التناقضات الرئيسة: تناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، تناقضات بين
الأساس الاقتصادي والبناء الفوقي، والتناقضات التي توجد داخل البناء الفوقي ذاته. وهذا يتضمن أن كل
ظاهرة اجتماعية تجعل داخلها جوهر تغيرها المستقبلي، الذي سوف ينمو في اتجاه أو آخر معتمداَ على
الظروف المادية الخاصة في البيئة التي تعمل من خلالها هذه الظواهر، كما أن النتائج التي يمكن
36 AFanasyev.r, Marxist Philosophy. second Revised. Moscow. 1965, pp. 12-14
-24-
التوصل إليها لابد أن تقارن بالخصائص الواقعية إذا كانت مضبوطة علميا، وهذه المقارنة هي وحدها
التي يمكن أن تحدد ما إذا كانت النتائج المحددة  الملموسة  تقوم على قاعدة ثابتة من الحقائق.
وحاول ماركس أن يقدم نظرية منظمة عن البناء الاجتماعي والتغير الاجتماعي، واستند في ذلك
إلى المادية التاريخية التي تسلم بأن المجتمع هو كل منظم تعتمد أج ا زؤه الواحدة منها على الأخرى،
بطريقة لا تكون فيها معتمدة على أي شيء يخرج عن ذلك الكل. وتفترض هذه النظرية جدلا أننا يمكن
أن نميز بين المجتمع وبيئته بنفس الطريقة التي تميز بها بين النبات والمناخ، أو التربة والطقس. واذا كنا
نفكر في المجتمع بهذه الطريقة، فيمكننا أن نسلم بأن تاريخه عبارة عن نوع من النمو، وأن بناءه يحدد
تطوره، وأن الأج ا زء التي يعتمد بعضها على بعض ليست هي الأف ا رد رجالا ونساء إنما هي النظم
الاجتماعية 37 .
أي أن الماركسية، تسعى إلى تفسير التغير الاجتماعي في ضوء العمليات الداخلية للأنساق
الاجتماعية عموما، وأكثر من ذلك، أنها لا تعالج هذه العمليات باعتبارها أشياء مادية أو إعادة تكيف
ومحاولات استخدام مجموعات من نماذج الفعل والتفاعل على المستوى الاقتصادي لبيان الاستم ا رر
المنطقي في تطور ال أ رسمالية أو بعض الأنساق الأخرى. ولكن المشكلة هي تلك الأنساق الاجتماعية التي
لا تعمل في طرق بسيطة معينة، فكل مجال للحياة الاجتماعية مزود ببعض درجات الاستقلال الذاتي
حتى في المجتمعات البسيطة، وكذلك كل منها يمكن تكوين مصدر ممكن للتغير الاجتماعي 38 .
والواقع أن قوة النظرية الماركسية تكمن أساسا في أنها أول محاولة منظمة في تفسير البناء
الاجتماعي والتغير الاجتماعي من خلال الشواهد التاريخية والبحوث الواقعية، كما أنها قد أسهمت إسهاماً
واضحا في فتح آفاق عديدة أمام علم الاجتماع، وخاصة سوسيولوجيا الثورة، الذي يعد إسهاماً أساسياً
نسجله لماركس.
3 نظرية الص ا رع:
في نظرية ماركس، نجد التغير الاقتصادي وحده يحدث وينتج التغي ا رت الأخرى من خلال ميكانيزم
للص ا رع المكثف بين الجماعات الاجتماعية والأج ا زء المختلفة من النسق الاجتماعي، ولقد اقترح علماء
النظرية الاجتماعية حديثا، أن الص ا رع بمضمونه الواسع، يجب أن يكون سبب التغير الاجتماعي.
والبرهنة و ا رء ذلك تكون: لو أنه يوجد إجماع في المجتمع، ولو أن القطاعات المختلفة للمجتمع كانت
37 Appeibaum. R.P.:Theories of social change. Rand Me Nally College Pnb. Cpmp. U.S.A 1970 pp.121-122
38 Percy. Cegen, op.cit p.226
-25-
متكاملة، تكون الحاجة ضيئلة للتغير، وبالتالي يجب أن يحدث التغير نتيجة لص ا رع بين الجماعات
الاجتماعية، أو بين الأج ا زء المختلفة للنسق الاجتماعي.
ويرى "ويلبرت مور" أن نظرية الص ا رع محاولة بديلة للوظيفية  خاصة عند داهر ندورف  ويرى أنها
لا تمثل بناء متكاملا بقدر ما يبدو كتغير في عملية التركيز "من التكامل الاجتماعي إلى التناظر" وهو
بهذا يضيف القليل إلى المتغير الخاص بإدارة التوتر في النظريات الوظيفية 39 .
ومن الواضح أن التأكيد بأن الص ا رع شرط ضروري للتغير من النادر رفضها، حيث لا يوجد مجتمع،
متغير أو غير متغير، ليس فيه ص ا رع في بعض الأنواع الأخرى، وكذلك من الواضح أنه لا يوجد حالة
للتغير الاجتماعي لا تكون مصاحبة مع الص ا رع في بعض الطرق الأخرى. والنظرية يمكن أن تقرر أن
أي تكثيف للص ا رع يعتبر ضرورياً لحدوث التغير الاجتماعي، ولتوضيح ذلك يجب التمييز بين لفظ
"ص ا رع conflict " ولفظ "نضال struggle " ويوجد الص ا رع الاجتماعي عندما تظهر الأهداف لجماعة
واحدة والسعي و ا رء تحقيقها بطريقة ما تماثل تلك الأهداف لجماعة أخرى لا يمكن أن تكون محققة، بينما
يظهر النضال عندما يأخذ الفعل أصل الص ا رع بواسطة استخدام القوة عن طريق جماعة أخرى أو عن
طريق تجاهل جماعة أخرى في موقف الص ا رع.
وقد يكون الص ا رع غير كافٍ لتقديم التغير في ظروف كثيرة، وقد لا يكون ضروريا في بعضها، ولكن
شدة الص ا رع هي نفسها واحدة من منتجات كثيرة لأنماط متعددة من التغير الاجتماعي. ومن الناحية
الأمبريقية يكون ربط الص ا رع مع التغير، غالبا ما يدفع علماء الاجتماع للقول إن الص ا رع يكون سبب اً
أساسي اً للتغير. وفي المجتمع الذي لديه مجموعة محددة من خلال التصنيع المخطط يمكن أن يساهم
الص ا رع في العمليات: فالمنافسة من أجل النفوذ والقوة بين الدول، وحتى بين أج ا زء الدولة الواحدة ربما
ينشط التغير الاجتماعي. ولكن نفس هذه الأشكال الخاصة بالص ا رع ربما أيضا تمنع التغير الاجتماعي.
ومما يثير الانتباه في نظرية الص ا رع للتغير الاجتماعي أن الص ا رع يعني ثورة كالتغير ال ا رديكالي
والكلي في البناء الاجتماعي، فالثو ا رت تحدث فعلا أقل مما يتوقع، وكثي ا ر ما لا تحدث النتيجة في
التغي ا رت التي كانوا يتوقعونها او تنب ؤ او بها مقدما بواسطة هؤلاء سواء كانوا مؤيدين أو خائفين من هذه
الثو ا رت، فالثو ا رت تثير القمع والثورة المضادة  ولو أن الثورة المضادة حدثت  تؤدي إلى مظاهر اللانظام
وتقل حالة الشرعية 40 .
وجاذبية نظرية الص ا رع تقدم جزئي اً إجابة بسيطة لمشاكل علم الاجتماع، ولكن يجب أن نؤكد أن
الص ا رع الاجتماعي غالبا ما يكون من نتاج التغير الاجتماعي أكثر من سبب له، كما يكون عموما عقبة
كبيرة لأنماط محددة من التغير الاجتماعي.
39 Moore,w. Social change. International Encyclopedia of the Social Sciences. 1968. p. 36
40 Percy. Cohen. op. cit. p. 229
-26-
4 نظرية اللاتكامل:
وهي نظرية قريبة أو وثيقة الصلة بنظرية الص ا رع، حيث تفسر التغير الاجتماعي في ضوء
"المتغاي ا رت والتناف ا رت" بين الأج ا زء المختلفة للأنساق الاجتماعية.
وهناك مصادر كثيرة لعدم الاتساق أو المتغي ا رت والتناف ا رت خلال الأنساق الاجتماعية، وأكثر الأمثلة
وضوحا هو التوتر المحتمل بين الشخصية ومتطلباتها التي تظهر من خلال النظم الاجتماعية. ولو أن
الناس تمثلوا التنشئة الاجتماعية، فمن الطبيعي أن يتحركوا للعمل وفق اً لما تطلبه المعايير الاجتماعية
ولكن الناس لا يمتثلون للتنشئة الاجتماعية لسببين هما:
أ لو أن التنشئة الاجتماعية صارمة، فإنها تترك الناس غير قادرين على مسايرة الأحداث غير
المتوقعة، ولكن إذا كانت التنشئة الاجتماعية تسمح ببعض درجات المرونة، فإنها أيضا تسمح ببعض
التفسي ا رت الشخصية للأدوار الاجتماعية.
ب  كل عمليات التنشئة الاجتماعية فيها متطلبات متصارعة، وبالتالي تنتج بعض المقارنة لممثلي
التنشئة الاجتماعية، وبالتالي تخلق مصد ا ر دافعيا نحو الانح ا رف الاجتماعي.
والمصدر الثاني لعدم التكامل وعدم الاتساق وثيق الصلة بالمصدر الأول، وهو متضمن في طبيعة
الدور الاجتماعي، وتوصف الأدوار الاجتماعية بواسطة المعايير العامة للمجتمع، والمواقف المعينة، التي
تحكمها مثل هذه المعايير تتباين في درجة أهميتها. والحقيقة المؤكدة أن توقعات الدور لها صفة العمومية
تماما بحيث تطبقه على مواقف متباينة، ويعني ذلك أن هناك بعض مجالات للتفسي ا رت الشخصية،
فالشخصية والالت ا زمات المتصارعة تؤثر كل منهما في الأخرى.
والمتغير الأساسي لنظرية اللاتكامل، تفسر التغير في ضوء الضغوط المتصارعة أو متطلبات
القطاعات المختلفة أو الثقافة. بناء على هذا الغرض، فإنه إذا حدثت أفعال في واحدة من هذه القطاعات
فإن واحدة أو أخرى يجب أن تتغير، وفي بعض الحالات فإن التعارض بين القطاعات تتطابق مع
التعارض بين الجماعات الاجتماعية في نوع واحد أو آخر، وفي حالات أخرى نجد أن عدم تكامل النسق
ربما يتقاطع مع تقسيم الجماعة أو يظل ببساطة مع الجماعات الاجتماعية الخاصة أو شبه الجماعة. هذا
النمط الثاني ربما يأخذ شكل ص ا رع الأدوار مع نفس الأف ا رد، أو ربما يأخذ شكل الص ا رع بين الأف ا رد مع
نفس الجماعة الاجتماعية 41 .
ومن الممكن عن طريق التنافر وعدم التكامل التنبؤ ببعض الأنماط، وعن ط ريق الفعل الاجتماعي
المعطى لتعديل بعض النظم الاجتماعية نظ ا ر لبعض الاحتكاكات على المصالح، ومن الممكن أيضا
41 Smelser,N.; Social chanae in the Ldastrial Revolution. Routledge, 1959.pp. 71-80
-27-
التعارض بين المظاهر الأخلاقية أو الجمالية  كما اقترح أوكشوت oukeshott 42  لا يمكن أن يكون
لها أثر للضغط على التغير الاجتماعي، ولكن يحدث أكثر في المجتمعات المعقدة مع تنظيمات
متخصصة مختارة والتي من عملها تعديل هذه النظم الاجتماعية رغم نقص الأدلة التاريخية التي تقود
الفرد للاعتقاد بأن ذلك غير موجود في المجتمعات البسيطة.
5 نظرية التكيف:
تفسر هذه النظرية التغير الاجتماعي كالتالي: إن الأنساق الاجتماعية ككل تكيف نفسها مع الهيئات
الخارجية، وبالطبع فإن لفظ "النسق" يستخدم هنا للإشارة إلى أي مجموعة من العمليات الاجتماعية
المت ا ربطة التي يكون فيها دليلا واضح اً على التغذية المرجعية أو  السببية الدائرية  لتبرير افت ا رض وجود
درجة من المحافظة على الذات، وبهذا المعنى يمكن أن يكون النسق عائلة أو العائلة مجتمع اً محلي اً، أو
تنظيما أو نمط اً من التنظيم الاجتماعي أو اقتصاد السوق المشتركة أو جهاز الحكومة أو اقتصادها...
إلخ.
والحقيقة أن ما يدور في عقول المؤمنين بهذه النظرية يرتبط بعملية تكيف الأنساق الاجتماعية مع
بعضها بعض اً، وهكذا يمكن تفسير التغي ا رت في الاقتصاد كعمليات تكيف مع كل اقتصاد آخر أو مع
جهاز الحكومة أو التغي ا رت في بناء الأسرة على أساس التكيف مع الأنماط الأخرى... إلخ. وأحد
الافت ا رضات المحدودة لهذه النظرية، هو أن شكلا خاصا من أشكال التغير الاجتماعي  وهو بالتحديد
التن وع أو زيادة التركيب  يمكن تفسيره على هذه الأبنية البسيطة، وهكذا فإن نمو التنوع يكون نتيجة لعملية
التكيف مع البيئة 43 .
لقد ذهب "تالكوت بارسونز" إلى أن أي نسق اجتماعي إنما ينطوى على مجموعة من الوظائف
المفروضة عليه، نتيجة لكون أعضائه هم "كائنات عضوية" لها حاجاتها  الفيزيولوجية والاجتماعية 
وتوجد في بيئة طبيعية، حيث تدخل في علاقات مع كائنات عضوية أخرى. وقد اعتبر بارسونز أن الأف ا رد
هم العناصر الأساسية المكونة للنسق الاجتماعي، ونظروا إليهم بوصفهم أف ا رد اً "فاعلين" وتساءل عن
كيفية التوفيق بين فكرة "ص ا رع الفاعلين" ووحدة النسق الاجتماعي، ووجد الجواب في أن الفعل الاجتماعي
هو عبارة عن "وحدات" من الفعل التي تشكل من خلايا تفاعلها مع بعضها البعض نسقا اجتماعيا، أو
شبكة من العلاقات التفاعلية.
ومن جهة أخرى، يرى بارسونز أنه يوجد في داخل كل نسق اجتماعي دافع إلى "التوازن" في مواجهة
المؤث ا رت الخارجية. ويستعير لتفسير ذلك من العلوم الطبيعية قانون "القصور الذاتي" الذي يقول إنه إذا تم
42 Oakeshott.M,; Rationalism in Polities and other Essays. London 1962. p. 124
43 Parsons, T.; Societies Evolutionaary-Prentice - Hall. 1966, pp.22-29
-28-
تحريك جسم ما بواسطة عامل خارجي، فإن هذا الجسم الذي تحرك سوف لا يلبث أن يعود إلى وضعه
السابق "الثبات والتوازن" بواسطة عملية القصور الذاتي، أي بصورة طبيعية، وكذلك النسق الاجتماعي فإن
الأصل فيه الثبات والتوازن، فإذا ما حدث أن اختل لسبب ما هذا النسق "اضط ا ربات، مظاه ا رت،
توت ا رت... إلخ" فإنه سوف  النسق  يعود إلى وضعه السابق "الطبيعي" ذاتيا، أو بواسطة التعليم والضبط
الاجتماعي 44 .
وهناك صياغة أكثر إقناعا لنظرية التكيف يقدمها "ويلبرت مور" 45 الذي يفضل اصطلاح "التوتر
الإداري"، ويقترح مور أن نظريات التغير الاجتماعي يجب أن تهدف إلى تحديد المناطق التي يشتد فيها
الص ا رع في الأنساق الاجتماعية والاعت ا رف بها كمنطلقات للتغير الاجتماعي. وتقوم هذه النظرية على
افت ا رض أن إحدى العمليات الضرورية للأنساق الاجتماعية هي تخفيف التوتر، وأن مثل هذه العمليات قد
تحدث خلال التغير، ويمكن أن نسمي "التوتر الإداري" هذه عملية تكيف لنسق واحد أو نسق جزئي مع
الآخر، ولكن "مور" يؤكد أن التغير قد يؤدي إلى التوتر بقدر ما يخلقه.
وهكذا فإن نظرية  مور  لا تتطلب أي معايير للنجاح في "التوتر الإداري" لكي تفسر التغير، فهي
تفترض أن التوتر ينتج عملية من عمليات الإدارة، ومن المحتمل أن الأنساق الاجتماعية لا تدير تماما
كل شيء، فيفترض  مور  أن النتائج المقصودة أو غير المقصودة كما تمارسها خلال التفاعل
الاجتماعي يمكن تفسيرها كأشكال للإدارة، ويجب عدم الافت ا رض أن كل توتر للأنساق الاجتماعية تؤدي
بالضرورة إلى شكل من الإدارة يتأسس عليه مباشرة، فالأنساق الاجتماعية كالأف ا رد يمكن أن تحتل مقدا ا رً
لا بأس به من التوتر.
1 النظرية الفكرية:
يمكن أن تتخذ أي نظرية فكرية من التغير الاجتماعي شكلا من الأشكال التالية:
1 أنها تستطيع أن تؤكد أن كل التغير الاجتماعي تغير فكري.
2 يمكن أن تؤكد أن التغي ا رت الفكرية هي شروط لأنماط معينة من التغير الاجتماعي؟
3 يمكن أن تؤكد أن التغي ا رت الفكرية هي عناصر إسهام فعالة لكثير من أنماط التغير الاجتماعي أو
كلها.
والنظرية الأولى هي كالتالي: إذا وافقنا على أن كل الظواهر الاجتماعية والثقافية هي فكرية جزئيا
على الأقل، فإن كل التغي ا رت في هذه الظواهر الاجتماعية يجب أن تكون فكرية جزئيا على الأقل.
ولقد هوجم هذا النوع من النظريات على أنه من لغو الكلام أو كلام بلا معنى، وكان الفيلسوف "ماك
إنتر" هو الذي هاجمه قائلا: "إن هذه الأفكار يمكن القول بوجودها فقط بقدر ما نمارس، فالفكرة تستنبط
44 محمد أحمد ال زغبي، م رجع سابق، ص 101
45 Moore, W,. op.cit pp. 14-28
-29-
من الفعل وبالتالي فلها به علاقة منطقية فقط، لا علاقة سببية، وأن تفسير التغير الاجتماعي  بقدر ما
هو سيئ  لا يمكن أن يكون فكريا" 46 .
والنظرية الثانية هي: أن التغي ا رت الفكرية ضرورية ولكنها ناد ا رً ما تكون شروط اً كافية للتغير
الاجتماعي. أي أن أي تغير في الأفكار داخل المجتمع يمكن أن تنتج التغير الاجتماعي، وهنا يجب
التمييز بين نمطين مختلفين لحالة واحدة: ففي الأول يمكن أن تكون للتغي ا رت في الظروف الطبيعية للحياة
الاجتماعية نتائج بعيدة التأثير لا تعتمد في ذاتها على تغي ا رت فكرية، وعلى سبيل المثال فالتغي ا رت في
الهرم السكاني التي قد تسببها تغي ا رت في معدلات المواليد والوفيات، وهي نفسها نتيجة لأسباب طبيعية
سوف تنتج هي نفسها تغي ا رت في معدل العاملين والقادرين على العمل. وعلى أي حال، فمثل هذا التغير
يمكن في حد ذاته أن تكون له نتائج على بناء الأسرة، وعلى نظم الق ا ربة والنظم السياسية وغيرها وذلك
بالتأثير فقط على التوقعات والعقائد، وفي هذا النمط الثاني من الحالة تكون التغي ا رت في الأفكار شروط
ضرورية للتغير الاجتماعي.
والمثال الدال على النظرية الثالثة: هو افت ا رض "ماكس فيبر" المتعلق بالصلة السببية بين
البروتستانتية وال أ رسمالية الحديثة. يقول فيبر: إن البروتستانتية دفعت بالناس للسعي و ا رء النجاح الدنيوي
من أجل أن يثبتوا لأنفسهم وللآخرين أنهم قد حققوا خلاصهم  ولقد اعتبر فيبر أن هذا التطور الديني لم
يكن ببساطة نتيجة لفلسفة الظواهر الخاصة بال أ رسمالية، وبما أن الكثير من سماتها قد تطور في أ ريه قبل
تطور ملامح معينة ذات مغزى لل أ رسمالية المعاصرة مثل التأكيد على العمليات العقلية والاستعداد للتجميع
من أجل الربح طويل المدى، والتأكيد على نجاح المشاريع كفضيلة من الفضائل، ولقد اعتبر فيبر أن هذه
المواقف والقيم كانت مضادة للتقاليد تماما، ولم تكن لها إلا فرصة ضئيلة للنمو بدون الدافع القوي المتمثل
بعقيدة جديدة أعطت الناس أهدافا باركها الدين ليسعوا وا رءها. ولم يفسر فيبر التطور ال أ رسمالي على
أساس العقيدة الدينية، ولكنه يدعي أن العنصر الديني  بالاشت ا رك مع غيره من العناصر ذات الطبيعة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية  أدى إلى إنتاج نمط معين من التغير الاجتماعي 47 .
ولقد تعرض افت ا رض فيبر للنقد الشديد من جانب مؤرخي الدين والتطور ال أ رسمالي، ولكن ما إذا كان
فيبر محقا في الجانب الخاص بال أ رسمالية أم لا، فإن ال أ ري العام الذي اقترحه يتم الآن تصديقه بشكل
عام: إن التغي ا رت في القيم والأفكار الأخرى هي ضرورية أو على الأقل عناصر مساهمة بالنسبة إلى
أنماط معينة من التغير الاجتماعي. وال أ ري الذي يستند إلى هذا هو أن ثبات القيم والأفكار الأخرى يمنع
بالفعل تغي ا رت معينة هو أ ري يلقى التأييد أيضا من علماء الاجتماع.
ولقد لقيت النظرية الفكرية للتغير رفضا واضحا لمدة من الزمن بين علماء الاجتماع، ويرجع هذا
الرفض إلى حد كبير لتأثير ماركس، وبشكل جزئي لتأثير مفسري دوركايم، ولقد رفض ماركس النظريات
46 Mac Intyre, A. C.; A Mistake about Causality in Social Science
47 Percy, cohen; op. ctt. pp. 221-226
-31-
الفكرية عن التغير الاجتماعي أساسا بسبب اعت ا رفه عن حق بأن الكثير من هذه النظريات كانت تعكس
ببساطة جهلا بالعمليات الاجتماعية، وربما كانت تعكس أيضا ميلا من جانب المفكرين إلى المبالغة في
تقدير قيمة جهودهم الخاصة.
وكان ماركس يعترض في البداية على ذلك النوع من النظريات الذي يفسر وجود الديمق ا رطية على
أنها مجرد تجسيدات للمذاهب، في حين يدعي ماركس أن النظم نشأت كنتيجة للتفاعلات الاجتماعية التي
تحكمها القوى الحقيقية الواقعية مقابل القوى المثالية 48 .
واذا كانت أهداف دوركايم تماثل وتخالف أفكار ماركس في وقت واحد، فقد كان أيضا يرغب في أن
يثبت أن الأسباب الحقيقية الوحيدة للظواهر الاجتماعية يجب أن تكون عمليات اجتماعية لا عمليات
التفكير الفردي، ولكنه لم ينكر حقيقة أن الأفكار يمكن أن تؤثر في مسار التغير الاجتماعي.
وكل الظواهر الاجتماعية هي في أحد معانيها الهامة فكرية، فالعلاقة الاجتماعية لا توجد إلا إذا
كانت لدى الناس بعض التوقعات فيما يتعلق بالمسلك المحتمل للآخرين، وهذه التوقعات المتبادلة والتي
هي عنصر أساسي في العلاقات الاجتماعية هي بالطبع أفكار، ولا يتضمن ذلك أن هذه الأفكار يمكن
تكوينها كأنساق متماسكة لإحداث التغير الاجتماعي.
7 نظرية التفاعل الثقافي:
إن إحدى النظريات التي اقترحت من أجل تفسير التغير الاجتماعي في المجتمعات البسيطة وبعض
المجتمعات التاريخية هي نظرية التفاعل الثقافي، وهي تقرر ببساطة أنه عندما يتفاعل أعضاء ثقافيين
يكون هناك اتجاه نحو التغير الثقافي أو نحو زيادة سرعة التغير الثقافي، والسبب في هذا ليس ببساطة أن
كلا منها يأتي بمفردات ثقافية جديدة إلى الآخر، ولكن السبب هو أن الزيادة في عدد المفردات الثقافية
المت وافرة لكل منها يؤدي إلى إمكانية تركيبات جديدة من هذه المفردات 49 .
وقد يستخدم التفاعل الثقافي أيضا للتفسير في المجتمعات البسيطة بطريقة أخرى، وغالبا ما يؤدي
مثل هذا التفاعل الثقافي إن لم يكن دائما إلى أشكال جديدة من العلاقات الاجتماعية وخصوصا في شكل
الغزو، ومثل هذه العمليات قد توسع من مجال العلاقات الاجتماعية التي يمكن أن تحدث، وبهذا فإنها
تدفع بتط ور نظم جديدة.
ومثل هذه النظرية نحتاج إليها بوضوح إذا افترضنا أن المجتمعات البسيطة تتجه من أن تك ون أنساقا
ا ركدة إلى أنساق متغيرة، ولكن في الحقيقة فإن القليل من المجتمعات المعروفة لدينا معزول حقيقة عن
الاتصالات الخارجية ويمكن للكثير المحافظة على هذه الاتصالات دون أن تخضع لتغي ا رت جوهرية،
ويمكن أن يشجع بعض أشكال الاتصال على مقاومة التغير.
48 112 : بوتومور، علم الاجتماع منظور اجتماعي نقدي. ترجمة عادل مختار الهواري، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1919 ، ص 111
49 Hornell Hart, Social theory and social change. London. 1959. pp. 61-78
-31-
ونظرية التفاعل الثقافي تدفع الفكر أيضا تجاه أسباب التغير في المجتمعات المركبة، ذلك أنها توحي
بإمكانية وجود عمليات داخلية النمو تدفع الأنساق المركبة، ذلك أنها توحي بإمكانية وجود عمليات داخلية
النمو تدفع الأنساق المركبة بصورة مشابهة للدوافع الخارجية النمو التي تؤثر في التغير في المجتمعات
البسيطة، وتتجه هذه المناقشة إلى القول بأن الأج ا زء والأقسام المختلفة من المجتمعات المركبة تمثل إلى
حد ما ثقافات ثانوية منفصلة تدفع بالتغير أثناء تفاعلها، وكلما ازداد تعقد الأنساق الاجتماعية ازداد عدد
مثل هذه الأج ا زء التي تخلقها، ولهذا تزداد إمكانية توفير مصادر لتغي ا رت أبعد من ذلك.
التوظف الأنثروبولوجي للتغيير الاجتماعي:
تعمل الأنثروبولوجيا، حسب جورج بلا نديبة 50 ، نتيجة تنوع وتعدد الملاحظات التي تقوم بها، ومن
خلال التحليل المقارن الذي تنهجه لمختلف المعطيات، على بلورة نظرية خاصة بالمجتمعات التقليدية. في
هذا السياق، فإن منظور الباحث الأنتروبولوجي للتغيي ا رت الاجتماعية يرتكز على ضرورة استحضار
ديناميتين مهمتين في التغير الاجتماعي إحداهما داخلية والأخرى خا رجية .
ومعنى ذلك، أنه يربط التغير الاجتماعي بالدينامية الخاصة بالتغي ا رت الناجمة عن المصادر
الخارجية من جهة، والدينامية المرتبطة بالتغي ا رت الناتجة عما هو داخلي من جهة ثانية، لقد تحدث
"بلاندييه" عن دينامية البنيات والأنساق الاجتماعية، وهي الدينامية التي تحدث على المستوى الداخلي لكل
نسق اجتماعي، وتشمل العناصر المكونة لها، ثم دينامية التحول حيث يصبح النسق الاجتماعي موضوع
الد ا رسة وما يط أ ر عليه من تحولات وتغي ا رت .
هاتان الديناميتان اللتان تشكلان المصدر الحقيقي للتغير الاجتماعي  حسب بلاندييه  تضعنا أمام
سؤال الاستم ا ررية والتك ا رر، أو بالأحرى، أمام جدلية التقليد والحداثة. وهذه الرؤية تختلف عن المقاربات
السوسيولوجية، بدءا من طرح أوجست كونت التجديد والتقدم، أو العقلانية حسب ماكس فيبر، أو التاريخية
حسب كارل ماركس. وهكذا، نلاحظ أن الأنتروبولوجيا تشرع في وضع تاريخ المجتمعات السائرة في طريق
النمو، وهو التاريخ الذي بت ت ره السوسيولوجيا عندما ألصقته بالمجتمعات المتقدمة .
وتكمن مهمة الأنثروبولوجيا  وهي تضع مقاربتها للتغير الاجتماعي  في كونها تربطه بالمجتمعات غير
الأوروبية منطلقة، حسب رؤية بلاندييه، من التمييز الذي تضعه بين دينامية التغي ا رت الداخلية ودينامية
التغي ا رت الخارجية في هذه المجتمعات، ومن التمييز بين ضرو ا رت هذا التغيير وشروطه. وقد حدد
50 Balandier,G,; Sens et paissance, quardrige, puf, 3 ed, 1986. p. 113.
-32-
"بلانديبه" في إطار حديثه عن دينامية التغي ا رت الاجتماعية الداخلية ثلاثة م ؤث ا رت لها ارتباط بالمتغي ا رت
السوسيو ثقافية - .
تتعلق الأولى بالتعديلات الناجمة عن العلاقات القائمة بين المجتمع والإطار الطبيعي الضامن لها،
أما الثانية فتتصل بهشاشة التوازنات الاجتماعية، بينما الثالثة مصدرها التحديث والابتكار 51 .
ولم تقف الأنثروبولوجيا عند هذه الحدود، حسب جورج بلاندييه، بقدر ما عملت على وضع اليد على
المعوقات الثقافية منها على وجه الخصوص، الذي تحول دون التقدم التقني والاقتصادي، في المجتمعات
السائرة في طريق النمو، إنها المعوقات التي تصنفها المقاربة الأنثروبولوجية ضمن ظاهرة المحافظة
والثبات النسبي .
والخلاصة:
يعتبر التغير الاجتماعي من المفاهيم التي احتلت مكانة محورية في بناء النظرية السوسيولوجية
المعاصرة بنماذجها المتباينة، حيث ترجع أهمية هذه المكانة إلى أبعاد تاريخية ومعاصرة، إذ يذكر تاريخ
النظرية السوسيولوجية أنه منذ قيام فكر التنوير ظهرت الدعوة الجادة من أجل التطور والتقدم. في هذه
المرحلة ظهرت تيا ا رت فكرية عديدة، بعضها حاول تشخيص التطور الاجتماعي من حيث عوامله أو قوته
الدافعة، أو مسا ا رته، أو طبيعته، أو غاياته الني ينشدها. بينما نظر البعض الآخر إلى حركة المجتمع في
التاريخ باعتبارها سعيا حثيثا إلى المثال الذي ينبغي أن يكون. بيد أنه أيا كانت طبيعة التيا ا رت التي
انبثقت عن التنوير، والتي انصب اهتمامها بالتطور أو التقدم، فإنه قد ت وافر لديها إيمان ا رسخ بأن حركة
المجتمع والإنسان في التاريخ تستهدف توسيع نطاق كل ما هو إنساني، إذ تؤدي هذه الحركة إلى اتساع
نطاق الحرية، والفكر العقلاني، والمعرفة العلمية، وسيطرة الإنسان على الطبيعة، وهو الأمر الذي افترض
ضمني اً أن التغير والتغيير يكون عادة في مصلحة الإنسان .
ولقد تأكد نفس الاهتمام خلال المرحلة الكلاسيكية من تاريخ النظرية السوسيولوجية. واذا كانت مرحلة
التنوير قد حاولت إب ا رز مضمون التقدم والتطور والتغير وتأكيد أهميته، فإن المرحلة الكلاسيكية حاولت أن
تكون بحث اً علمي اً موضوعيا في عوامل التغير الاجتماعي وطبيعته ونتائجه، بعضها كالنظرية الماركسية
أكدت أن وسائل الإنتاج العنصر الجوهري في البناء الاقتصادي للمجتمع هي التي تشكل دائما قوة - -
التغير الدافعة، وأن هذا التغير لابد أن يكون تاريخيا بتولي نفي احتكار الأقلية لتأكيد سيطرة الأغلبية على
أ رس المال الاجتماعي اتساق اً مع منطق المنهج الجدلي .
51 Ibid. P. 114
-33-
بينما يرى دوركايم أن التغير كان دائما بين نماذج بنائية ثابتة، أحدهما يشخص حالة مجتمعات ما
قبل الصناعة بينما يجسد الآخر تفاعلات ما بعدها، والتغير بينها يشير دائما إلى حالة نمطية متكررة،
تكمن قوتها الدافعة في التناقض بين زيادة السكان ومحدودية الموارد .
ولا يختلف ماكس فيبر كثي ا ر عن دوركايم، الذي أ رى أن هناك مجتمعات استطاعت التغير والانطلاق
من الإطا ا رلتقليدي إلى الإطار ال أ رسمالي الحديث، وأن القوة الدافعة للتغير كانت تكمن دائما حسب -
ماكس فيبر في ظهور البيروق ا رطية وفاعلية قيم الديانة البروتستانتية - .
على خلاف ذلك نظر "فلف ي ردو باريتو" إلى كل النظريات السابقة التي حاولت فهم المجتمع والتغير -
الاجتماعي باعتبارها مشتقات لرواسب كامنة في عمق الذات الإنسانية، قادرة على تحريك الإنسان -
والمجتمع من داخله، واذا كانت الرواسب ثابتة لا تتغير، فإن دورة الصفوة أو دورة التغير ثابتة لا تتغير
أيضا .
استحقت هذه المرحلة الكلاسيكية وصفها بأنها مرحلة النظريات العاملية، أي التي تنظر إلى الحقيقة
من ا زوية واحدة بعضها يغفل الزوايا الأخرى تماما، بينما يعطيها البعض الآخر قد ا رً من الاعتبار. غير
أن هذه المرحلة أفادت النظرية السوسيولوجية في م ا رحلها التالية، لأن كلا منها جمع قد ا ر كبي ا ر من
المعطيات التي تؤكد فاعلية العامل الذي ت ا ره متغي ا ر مستقلا .
ولقد اختلفت المرحلة الحديثة والمعاصرة في تاريخ النظرية السوسيولوجية، حيث تميزت هذه المرحلة
باختلاف رؤيتها للتغيير الاجتماعي من خلال تأكيدها على جماعية العوامل والتفاعل، فقد أكدت أنه من
الممكن لأي من العوامل العناصر المشكلة لبناء المجتمع أن تؤدي دورها باعتبارها قوة دافعة للتغير - -
الاجتماعي، كما أكدت أيضا أنه من الممكن أن تكون هناك عوامل مثيرة للتغير الاجتماعي، بينما هناك
عوامل أخرى قادرة على تأكيد استم ا رر تفاعلاته .
وطرحت هذه المرحلة أيضا أفكا ا رً أكثر دقة فيما يتعلق باتجاهات التغير الاجتماعي: هل هو تغير
من الداخل بفعل التوتر الذي قد ينشأ بين العناصر المكونة للبناء، أم أنه تغير جاء من الخارج فنشر
القلق والتوتر في بناء اجتماعي كان ساكنا، أم أن التغير هو عبارة عن تفاعل جدلي بين مثير خارجي
واستجابة داخلية، بالإضافة إلى ذلك فقد قدمت نظريات هذه المرحلة أفكا ا رً بشأن نطاق التغير: هل التغير
يكون عادة كلي اً، إذا ط أ ر على البناء الاجتماعي فلابد أن يتغير بكامله استجابة له، أم أنه من الممكن أن
يكون التغير جزئيا باستطاعتنا تحديد نطاقه؟
وناقشت نظريات هذه المرحلة أيضا مدى التغير ودرجته، هل التغي ا رت التي يشهدها عالمنا بعيدة
المدى أم قصيرة المدى، أم أن الثانية مستوعبة بالضرورة في الأولى؟ من ناحية ثانية ناقشت هذه
النظريات درجة التغير: هل التغير المتواتر عادة في المجتمعات هو تغير ثوري ا رديكالي أم تدريجي
تلا ؤمي تكيفي، أم أن هذه الرؤية المستقطبة تعسفية وأن هناك علاقة ما بين نموذجي التغيير الاجتماعي .
-34-
من هناك نستطيع بحق أن نقول إن النظ رية السوسيولوجية المعاصرة، هي في الأساس نظرية في
التغير الاجتماعي، اوننا إذا كنا ننتمي إلى العالم الثالث عالم المجتمعات النامية والمتغيرة فإن ذلك - -
يفرض علينا من منطق إنساني ووطني أن نسعى كباحثين لفهم التغير الاجتماعي واد ا رك متضمناته، و انه
إذا كان علمنا يستحق مكانته، فإن عليه أن يكون علما في التغير الاجتماعي .
-35-
الم ا رجع
(1) محمد الدقس: التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق . - دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن، 1227 ص 32 17
(2) أنطوني جيدنز: علم الاجتماع
ترجمة فايز الصباغ، ط 1، مركز د ا رسات الوحدة العربية بي روت 2225 ص 125
(3) أحمد ا زيد، التغير الاجتماعي . مكتبة الأنجلو المصرية، ط 2، القاهرة، 2221 ص 18
(4) نفس المرجع، ص 12
(5) عادل مختار الهواري، التغير الاجتماعي والتنمية في الوطن العربي . مكتبة الفلاح، الكويت، 1288 ، ص 44
(6) Rocher, Guy, le changement Social Teone3, Coll. Print. N.15 Paris. 1970,p.17 (7) عبدالجليل حليم، التنمية والتبعية
.1281 ، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، المغرب، عدد 8
(8) عادل مختار الهواري، مرجع سابق ص 45
(9) محمود عودة، التغير الاجتماعي وأساليب الاتصال . القاهرة، 2224 ، ص 55
(10) عبدالباسط حسن، التغير الاجتماعي في المجتمع الاشت ا ركي . القاهرة الحديثة، 1274 ، ص 42
(11) إب ا رهيم عثمان، مقدمة في علم الاجتماع
دار الشروق، عمان، 1222 ، ص 333
(12) معن خليل عمر، التغير الاجتماعي، دار الشروق، عمان، الأردن، 2224 ص 51
(13) عادل مختار الهواري، سوسي ولوجيا التخلف والتنمية . مطبوعات جامعة صنعاء، اليمن، 1281 ، ص 18
(14) عادل شكارة، نظرية هوبهاوس في التنمية الاجتماعية
دار الطليعة، بيروت، 1281 ، ص 11
(15) عبدالباسط حسن، مرجع سابق، ص 53
(16) U.N.Economic and Social Council Administrative
-36-
Co-orintation Committee. Twenteenth Report. (17) أحمد الخشاب، التغير الاجتماعي، القاهرة، 1281 ، ص 1
(18) عبدالباسط عبدالمعطي، عادل مختار الهواري، علم الاجتماع والتنمية . دار المعرفة الجامعية  الإسكندرية، 2222 ، ص 33
(19) نفس المرجع، ص 34
(20) معن خليل عمر، مرجع سابق، ص 72
(21) Diana Leat, Theories of social change. Londan.. Berttels. stif. J. 2005 p>32 (22) عادل مختار الهواري  سوسيولوجيا التخلف والتنمية في العالم التابع.
- 1281 ، ص 21 25 ، مجلة د ا رسات عربية، بيروت، العدد 2 . (23) محمد أحمد الزغبي، التغير الاجتماعي بين علم الاجتماع البورجوازي وعلم الاجتماع الاشت ا ركي،
دار الطليعة، بيروت، ص 17
(24) Nordskog.S.E.: Social change Macgrow- Hill. comp-N.Y. 1989. p.16 (25) Lorimer, F.: Caleture and Human Fertility. Paris. unesco. 1954, pp. 212-213 (26) محمد أحمد الزغبي، مرجع سابق، ص 74
(27) محمد طلعت عيسى، فلسفة التغيير المخطط
23 : القاهرة الحديثة، القاهرة، 1277 ، ص 22
(28) 12: عادل مختار الهواري، التغير الاجتماعي والتنمية... يرجع سابق، ص 52
22 ( تيسير الناشف، التغير الاجتماعي والتكنولوجي وآثاره في الإنسان والمجتمع الدولي مجلة أقلام، (
دمشق، 2212 ، ص 21
32 ( محمد طلعت عيسى، مرجع سابق، ص 35 (
)31( Giddens, A.: Social change London. 2007. PP0 41-47
32 ( محمد أحمد الزغبي، مرجع سابق، ص 72 (
33 ( عادل مختار الهواري، مرجع سابق، ص 11 (
)34( Percy. Cohen Modern Social Theory. London, Heinemann, Educational Books. Ltd. 1968. pp. 216-219 )35( Ibid. P. 222
)31( AFanasyev.r, Marxist Philosophy. second Revised. Moscow. 1965, pp. 12-14
)37( Appeibaum. R.P.:Theories of social change. Rand Me Nally College Pnb. Cpmp. U.S.A 1970 pp.121-122
-37-
)38( Percy. Cegen, op.cit p.226
)32( Moore,w. Social change. International Encyclopedia of the Social Sciences. 1968. p. 36
)42( Percy. Cohen. op. cit. p. 229
)41( Smelser,N.; Social chanae in the Ldastrial Revolution. Routledge, 1959.pp. 71-80
)42( Oakeshott.M,; Rationalism in Polities and other Essays. London 1962. p. 124
)43( Parsons, T.; Societies Evolutionaary-Prentice - Hall. 1966, pp.22-29
44 ( محمد أحمد ال زغبي، مرجع سابق، ص 128 (
)45( Moore, W,. op.cit pp. 14-28
)41( Mac Intyre, A. C.; A Mistake about Causality in Social Science
)47( Percy, cohen; op. ctt. pp. 221-226
48 ( بوتومور، علم الاجتماع منظور اجتماعي نقدي. ترجمة عادل مختار الهواري، دار المعرفة (
115 : الجامعية، الإسكندرية، 1272 ، ص 111
)42( Hornell Hart, Social theory and social change. London. 1959. pp. 61-78
)52( Balandier,G,; Sens et paissance, quardrige, puf, 3 ed, 1986. p. 113. (51) )51( Ibid. p. 114

ليست هناك تعليقات